ومنها (١) : ما تضمّن نوعا حسنا من التّخييل كقوله : [عقدت سنابكها] أي حوافر الجياد [عليها] يعني فوق رؤوسها [عثيرا] بكسر العين ، أي غبارا.
ومن لطائف العلّامة (٢) في شرح المفتاح : العثير الغبار ، ولا تفتح فيه العين ، وألطف من ذلك (٣) ما سمعت أنّ بعض البغّالين كان يسوق بغلته في سوق بغداد ،
________________________________________________________
(١) أي ومن أصناف المقبول من الغلو «ما تضمّن نوعا حسنا من التّخييل» أي تخييل الصّحّة ، وذلك لكون ما اشتمل على الغلو يسبق إلى الوهم إمكانه لرؤية شيء كالغبار في البيت الآتي يغالط الوهم فيه ، فيتوهّم صحّته ، والتّقييد بكونه حسنا ، للإشارة إلى أنّ تخييل الصّحّة وحده لا يكفي ، إذ لا يخلو منه محال ، حتّى إضافة النّطف في البيت المتقدّم.
وإنّما المعتبر ما يحسن لصحّة مغالطة الوهم فيه بخلاف ما يبدو انتفاءه للوهم بأدنى التفات ، كما في إخافة النّطف ، فليس التّخييل فيه على تقدير وجوده فيه حسنا ، فليس مقبولا لعدم حسنه ، وأمّا ما كان حسنا فهو مقبول ، كقول أبي الطّيّب : «عقدت سنابكها» جمع سنبك بضم السّين ، فاعل عقدت ، والضّمير في «سنابكها ، عليها» راجع إلى الجياد ، أي عقدت سنابك تلك الجياد ، أي حوافرها فوق رؤوسها «عثيرا» بكسر العين وسكون الثّاء المثلثة ، وفتح الياء المثنّاة من تحت ، «أي غبارا» وهو مفعول عقدت.
والشّاهد في أنّه ادّعى أنّ الغبار المرتفع من سنابك الخيل قد اجتمع فوق رؤوسها متراكما متكاثفا ، بحيث صار أرضا يمكن أن يسير عليها تلك الجياد ، وهذا السّير ، أي سير الجياد على الغبار ممتنع عقلا وعادة ، لكنّه تخييل حسن ، لأنّه نشأ من ادّعاء كثرة الغبار ، وكونه كالأرض الّتي في الهواء.
(٢) أي الشّيرازي لما في ذلك من التّورية ، لأنّ قوله : ولا تفتح فيه العين ، له معنيان : قريب :
وهو النّهي عن فتح العين الجارحة في الغبار ، لئلّا يؤذيها بدخوله فيها ، وليس هذا مرادا.
وبعيد : وهو النّهي عن فتح العين في هذا اللّفظ ، أي لفظ عثير لئلّا يلزم تحريف اللّفظ عن وضعه ، وهو المراد ، لأنّ قصده ضبط الكلمة.
ويحتمل أن يكون المراد لما في ذلك من التّوجيه ، وهو احتمال الكلام لمعنيين ، ليس أحدهما أقرب من الآخر على استواء المعنيين هنا.
(٣) ممّا ذكره العلّامة قول البغّالين ، أي الّذين يسوقون البغال.