وكان بعض عدول دار القضاء حاضرا فضرطت البغلة (١) ، فقال البغّال (٢) على ما هو دأبهم : بلحية العدل ، بكسر العين ، يعني (٣) أحد شقّي الوقر (٤) ، فقال بعض الظّرفاء (٥) على الفور : افتح العين فإنّ المولى حاضر. ومن هذا القبيل (٦) ما وقع لي في قصيدة (٧) :
علا (٨) فأصبح يدعوه الورى ملكا |
|
وريثما فتحوا عينا غدا ملكا |
________________________________________________________
(١) أي أخرجت ريحا من جوفها بصوت.
(٢) أي على عادة أمثاله عند فعل البغلة ذلك ، قوله : «بلحيّة العدل» أي ما فعلت يقع في لحية العدل ، لا في وجه السّائق ، وفيه تشبيه العدل برجل ذي لحية على طريق الكناية.
(٣) أي بلحية العدل ،
(٤) أي الحمل بكسر أولهما.
(٥) أي الحذّاق ، قوله : «افتح العين فإنّ المولى حاضر» فيه احتمال معنيين ، فيحتمل افتح عينك ترى المولى ، أي من هو أولى وأحقّ أن يقع ذلك في لحيته ، وهو الشّاهد حاضرا ، ويحتمل افتح عين لفظ العدل ، لتصيب الضّرطة مسمّى هذا اللّفظ ، فإنّه حاضر ، فإن كان المعنى المراد منهما خفيّا كان تورية ، وإن كان المعنيان ليس أحدهما خفيّا عن الآخر كان توجيها ، وهو أقرب هنا لصلاحية كلّ من المعنيين فهذه الحكاية محتملة التورية والتّوجيه ، كما أنّ ما ذكره العلّامة كذلك ، إلا أنّ هذه الحكاية ألطف ممّا ذكره العلّامة ، لما فيها من التّفطّن الغريب والهجو بوجه لطيف.
(٦) أي احتمال التورية والتّوجيه في مادّة فتح العين.
(٧) في مدح ملك ، وهو السّلطان أبو الحسين محمد كرت.
(٨) أي ارتفع ، الورى بمعنى الخلق ، «ملكا» أي سلطانا.
والشّاهد في قوله : «فتحوا عينا» ، يحتمل فتحوا عين لفظ الملك ، أي وسطه فغدا بسبب الفتح ملكا ، فيكون معناه كذلك ، ويحتمل أن يراد فتحوا أعينهم فيه ونظروه فوجدوه قد تبدّل وصار ملكا ، فيتّجه فيه التّوجيه أو التّورية ، على ما تقدّم ، والرّيث من راث ، إذا أبطأ ، يستعمل كثيرا بمعنى الزّمان.
والتّقدير هنا أنّه غدا ملكا في الزّمان الّذي مقداره ما يفتحون فيه العين.