أي يوقع في خيالي أنّ الشّهب (١) محكمة بالمسامير ولا تزول من مكانها ، وأنّ أجفان عيني قد شدّت (٢) بأهدابها إلى الشّهب لطول ذلك اللّيل وغاية سهري فيه ، وهذا تخييل حسن ولفظ يخيّل يزيده حسنا.
[ومنها (٣) ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة (٤) كقوله :
أسكر بالأمس إن عزمت على الشّر |
|
ب غدا إنّ ذا من العجب (٥)] |
________________________________________________________
(١) وهي النّجوم أحكمت بالمسامير في الدّجى ، أي ظلمة اللّيل.
(٢) أي ربطت أجفاني بأهدابي حال كونها مائلة إليهنّ إلى الشّهب ، وادّعى الشّاعر أنّ طول اللّيل وصل لحالة ، هي أن الشّهب أحكمت بالمسامير في دياجيه ، وأنّ كثرة سهره فيه وصلت إلى حالة هي أنّ أجفانه صارت مشدودة بأهدابه في الشّهب ، ومن المعلوم أن إحكام الشّهب بالمسامير في الدّجى ، وشدّ أجفانه بأهداب عينه محال ، لكن قد تضمّن ذلك الغلوّ تخييلا حسنا ، إذ يسبق إلى الوهم صحّته من جهة أنّ هذا المحسوس تقع المغالطة فيه ، وذلك أنّ النّجوم لما بدت من جانب الظّلمة ، ولم يظهر غيرها صارت النّجوم كالدّرّ المرصّع به بسياط أسود ، فيسبق إلى الوهم ، من تخييل المشابهة قبل الالتفات إلى دليل استحالة شدّ النّجوم بالمسامير في الظّلمة صحّة ذلك.
وكيف كان فلمّا تضمّن الغلوّ الموجود في البيت هذا التّخييل الّذي قرّب المحال من الصّحّة كان ذلك الغلو مقبولا.
(٣) أي ومن أصناف الغلوّ المقبول «ما أخرج مخرج الهزل» وهو الكلام الّذي لا يراد به إلا المطايبة والضّحك.
(٤) وهي عدم المبالاة بما يقول القائل لعدم المانع الّذي يمنعه من غير الصّدق.
(٥) ففي هذا البيت مبالغة في شغفه بالشّرب ، فادّعى أن شغفه بالشّرب وصل إلى حدّ أنّه يسكر بالأمس عند عزمه على الشّرب غدا ، ولا شكّ أنّ سكره بالأمس عند عزمه على الشّرب غدا محال ، إن أريد بالسّكر ما يترتّب على الشّرب ، وهو المقصود هنا ، ولكن لما أتى بالكلام على سبيل الهزل لمجرّد تحسين المجالس والتّضاحك على سبيل الخلاعة ، وعدم المبالاة بالتّكلّم بالقبيح ، كان ذلك الغلو مقبولا لأنّ ما يوجب التّضاحك من المحال ، لا يعدّ صاحبه