ذكر الشّيخ عبد القاهر (١) أنّه قول من (٢) وصف بني المهلّب للحجّاج لمّا سأله عنهم ، وذكر جار الله أنّه قول الأنماريّة (٣) فاطمة بنت الخرشب ، وذلك أنّها سئلت عن بنيها أيّهم أفضل؟ فقالت : عمارة لا بل فلان ، لا بل فلان ، لا بل فلان ، ثم قالت : ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل [هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ، أي هم متناسبون في الشّرف] يمتنع تعيين بعضهم فاضلا ، وبعضهم أفضل منه [كما أنّها] أي الحلقة المفرغة [متناسبة الأجزاء في الصّورة]
________________________________________________________
(١) أي قصد بقوله : «ذكر الشّيخ ...» بيان ذلك البعض.
(٢) أي قول الشّخص الّذي وصف بني المهلّب ، وهو كعب بن معدان الأشعريّ ، كما قال المبرّد في الكامل ، فإنّه ذكر أنّه لما ورد على الحجّاج قال له : كيف تركت جماعة النّاس ، فقال له كعب : تركتهم بخير أدركوا ما أمّلوا وآمنوا ممّا خافوا ، فقال له : فكيف بنو المهلّب فيهم ، فقال : حماة السّرج نهارا ، وإذا أليلوا ففرسان البيات ، ومعنى أليلوا : دخلوا في اللّيل ، كأصبحوا ، بمعنى دخلوا في الصّباح ، ثمّ قال : فأيّهم كان أنجد ، فقال : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ، قوله : «لمّا سأله عنهم» أي حين سأل الحجّاج عنهم ذلك الواصف بقوله : «أيّهم أنجد» أي أشجع.
(٣) نسبة إلى الأنمار ، اسم قبيلة فاطمة بدل أو عطف بيان من «الأنماريّة» ، قوله : «وذلك» أي وسبب ذلك القول ، قوله : «عن بنيها» أي الأربعة الّذين رزقت بهم من زوجها زياد العيسي ، وهم ربيع الكامل ، وعمارة الوهّاب ، وقيس الحفّاظ ، وأنس الفوارس ، وقوله : «عمارة لا» أي لما ذكرت عمارة معتقدة أنّه أفضلهم ، ثمّ ظهر لها أنّه ليس أفضل ، أضربت عنه ، وهكذا يقال : فيما بعد قوله : «ثكلتهم» أي فقدتهم بالموت ، قوله : «هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها» تشبيه للأربعة بالحلقة المفرغة ، أي كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها ، أي لتناسب أصولهم وفروعهم في الشّرف ، يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه ، كما أنّ الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا.
والشّاهد :
في أنّ وجه الشّبه في غاية الدّقّة لا يدركه إلّا الحواسّ ، لأنّ وجه الشّبه المشترك بين الطّرفين هو التّناسب الكلّي الخالي عن التّفاوت ، وإن كان ذلك التّناسب في المشبّه تناسبا في الشّرف ، وفي المشبّه به تناسبا في صورة الأجزاء.