وقول أبي الطّيّب : أأحبّه] ، الاستفهام للإنكار (١) ، والإنكار باعتبار القيد الّذي هو الحال أعنى قوله : [وأحبّ فيه ملامة] كما يقال : أتصلى وأنت محدث (٢) على تجويز واو الحال في المضارع المثبت ، كما هو رأي البعض أو على حذف المبتدأ ، أي وأنا أحبّ ، ويجوز أن تكون الواو للعطف ، والإنكار راجع إلى الجمع بين الأمرين ، أعنى محبّته ومحبّة الملامة فيه [أن الملامة فيه من أعدائه] وما يصدر عن عدوّ المحبّوب يكون مبغوضا ، وهذا نقيض معنى بيت أبي شيص ، لكن كلّ منهما باعتبار آخر (٣). ولهذا قالوا : الأحسن في هذا النّوع أن يبيّن السّبب (٤). [ومنه] أي من غير الظّاهر [أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الأفوه (٥)
________________________________________________________
سوى الباري تعالى ، أي جميع المخلوقات فيشمل النّاس وغيرهم ، فيكون أشمل.
(١) فهو في معنى لا أحبّه ، والشّاهد في أنّ معنى بيت أبي الطّيّب نقيض معنى بيت أبي الشّيص ، لأنّ أبا الطّيّب يدعّي بغض اللّوم في المحبوب ، وأبا الشّيص حبّ اللّوم فيه. إلّا أن التّناقض بينهما بحسب الظّاهر ، وإن شئت قل : إنّ التّناقض عرفي لا منطقي ، لأنّ علّة حبّ اللّوم في كلام أبي الشّيص اشتمال اللّوم على ذكر المحبوب ، وهذا محبوب له ، وعلّة كراهة اللّوم في كلام أبي الطّيّب صدوره من عدوّ المحبوب ، والصّادر من عدوّ المحبوب مبغوض.
(٢) فالمنكر وقوع الصّلوات مع الحدث ، لا وقوع الصّلوات من حيث هي ، كما أنّ المنكر هنا حبّ المحبوب مع حبّ ـ الملامة من أعدائه ، لا حبّ المحبوب من حيث هو.
(٣) هذا إشارة إلى ما ذكرناه من التّناقض هنا ليس حقيقيّا.
(٤) أي يبيّن العلّة في الكلامين المتناقضين بحسب الظّاهر والعرف ، كما في البيتين المذكورين ، وذلك لأجل أن يعلم أنّ التّناقض بينهما ليس منطقيّا ، بل بحسب الظّاهر والعرف ، أي بحسب الصّورة لا بحسب الحقيقة. وذلك لاختلاف العلّة فيهما.
(٥) وهو في اللّغة الواسع الفم ، أو طويل الأسنان بحيث خرجت من الشّفتين ، ومن غير الظّاهر أن يؤخذ بعض المعنى من كلام الشّاعر الأوّل ، ويضاف إلى ذلك البعض المأخوذ ما يحسنه.
وبعبارة أخرى :
يأخذ الشّاعر الثّاني من كلام الشّاعر الأوّل بعض المعنى لا كلّه ، لكن لا يقتصر الشّاعر الثّاني على ذلك البعض المأخوذ من الأوّل ، بل يضيف إليه ما يحسنه.