المحاسن الموردة فيما سبق ، فالانتهاء الحسن [كقوله (١) : وإنّي جدير] ، أي خليق [إذا بلغتك بالمنى] أي جدير بالفوز بالأماني (٢) ، وأنت بما أمّلت منك جدير ، فإن تولني] أي تعطني [منك الجميل فأهله] أي فإنّت أهل لإعطاء ذلك الجميل [وإلّا (٣) فإنّي عاذر] إيّاك [وشكور (٤)] ، لما صدر عنك من الإصغاء إلى المديح ، أو من العطايا السّالفة. [وأحسنه] أي أحسن الانتهاء [ما آذن بانتهاء الكلام] حتّى لا يبقى للنّفس تشوّق إلى ما وراءه [كقوله (٥) :
بقيت بقاء الدّهر يا كهف أهله |
|
وهذا دعاء للبريّة شامل] |
لأنّ بقاءك سبب لنظام أمرهم وصلاح حالهم ، وهذه المواضع الثّلاثة ممّا يبالغ المتأخّرون في التّأنق فيها ، وأمّا المتقدّمون فقد قلّت عنايتهم بذلك [وجميع فواتح السّور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها] من البلاغة ، لما فيها من التّفنّن (٦) ،
________________________________________________________
(١) أي كقول أبي نوّاس.
(٢) أي بما أتمنّى منك ، لأنّي شاعر مشهور عند النّاس بمعرفة الشّعر والأدب.
(٣) أي وإن تولني منك الجميع ، فإنّي عاذر إيّاك من هذا المنع.
(٤) أي شكور لما صدر عنك من الاستماع إلى المدح ، فلا يمنعني من شكر السّابق عدم تيسير اللّاحق.
والشّاهد في المصراع الأخير ، أي فإنّي عاذر وشكور فإنّه يدلّ على انتهاء الكلام بقبول العذر من دون سخط ، حيث أظهر الشّكر ، وإن لم يحصل له العطاء.
(٥) قيل : إنّه لأبي العلاء المعرّي ، وقيل : إنّه للمتنبّي ، والّذي يؤذن فيه بالانتهاء الدّعاء ، لأنّ العادة جرت على انتهاء الكلام به ، وإنّما أذن هذا الدّعاء بانتهاء الكلام لأنّه من المتعارف أن يختم الكلام بالدّعاء ، فإذا سمع السّامع لم يتشوّق إلى شيء وراءه ، وأمّا كون هذا شاملا للبريّة ، فقد بيّنه التفتازاني بقوله : (لأنّ بقاءك سبب لكون البريّة في أمن ونعمة وصلاح حال بسبب رفع الخلاف والتّنازعات فيما بينهم ودفع ظلم بعضهم على بعض وبلوغ كلّ واحد بما هو صلاحه) والمراد بالبريّة النّاس ، وما يتعلّق بهم.
(٦) أي الإتيان بالفنون المختلفة ، أي المعاني المختلفة المطابق كلّ منها لما نزل له المفيد لأكمل ما ينبغي فيه.