ذكر أنه سأل «يحيى بن يعمر الليثي» (١) ـ ١٢٩ ه :
أتسمعني ألحن على المنبر؟ فقال يحيى : الأمير أفصح الناس إلّا أنه لم يكن يروي الشعر. قال : أتسمعني ألحن حرفا؟ قال : نعم ، في آي القرآن.
قال : فذاك أشنع ، وما هو؟ قال : تقول : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ...)(٢) تقرؤها «أحبّ» بالرفع.
فأنف «الحجاج» أن يطلّع له رجل على لحن ، فبعث به إلى خراسان.
وكان «الحجاج» يعجب بفصاحة «يحيى» هذا ، فسأله يوما : أخبرني عن «عنبسة بن سعيد» أيلحن؟ قال : كثيرا ، قال : أفأنا ألحن؟ قال : لحنا خفيفا ، قال : كيف ذلك؟ قال : تجعل (أن : إن) و (إن : أن) ، ونحو ذلك.
قال : لا تساكنّي ببلد ، أخرج (٣).
وقال «السيوطي» في أول مقدمة «تدريب الراوي» في ذمّ من يدعي الحديث بغير علم النحو ـ : «... أو تلفّظ بكلمة من الحديث لم يأمن أن يزل في إعرابها ، فصار بذلك ضحكة للناظرين ، وهزأة للساخرين».
وقال في «تدريب الراوي» ٢ : ١٠٧ :
وروى «الخليلي» في «الإرشاد» عن «العباس بن المغيرة بن عبد الرحمن» عن أبيه قال : جاء «عبد العزيز الدراورديّ» في جماعة إلى أبي ليعرضوا عليه كتابا ، فقرأ لهم «الدراورديّ» ، وكان رديء اللسان يلحن ، فقال أبي : ويحك يا «دراورديّ» أنت كنت إلى إصلاح لسانك قبل النظر في هذا الشأن أحوج منك. إلى غير ذلك.
__________________
(١) هو أبو سليمان ، من علماء التابعين ، وقد أدرك بعض الصحابة ، وهو أول من نقط المصاحف ، ولد بالأهواز ، وسكن البصرة ، عارف بالحديث ، والفقه ، ولغات العرب. وفي لغته إغراب وتقعر. كان فصيحا ، ينطق بالعربية طبيعة غير متكلف. أعجب «الحجاج» بقوّة أسلوبه ، فطلبه فجاءه إلى العراق ، وحادثه فلم ترضه صراحته ، فردّه إلى خراسان. «بغية الوعاة» ٢ : ٣٥٤ ، و «الأعلام» ٨ : ١٧٧.
(٢) التوبة : ٢٤.
(٣) «طبقات النحويين واللغويين» ٥ ، و «من تاريخ النحو» ٨ ـ ١٢.