وفي «الخصال» عن سليمان بن مهران عن الأعمش عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : التقصير في ثمانية فراسخ وهو بريدان ، وإذا قصّرت أفطرت ، ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجلّ (١).
وروى الكشّي في «كتاب الرجال» عن محمّد بن مسلم قال : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : التقصير يجب في بريدين ... الحديث (٢).
ومقتضى هذه النصوص انتفاء التقصير في الأربعة مطلقاً لمريد الرجوع وغيره ، فإنّ الثمانية فيها هي الثمانية الواقعة في الذهاب ، وصحيحة زرارة صريحة في ذلك ، وكذا صحيحة أبي بصير وموثّقة عمّار ، ويقرب منها سائر الأخبار ، فإنّ المتبادر منها خصوص الثمانية الذهابية ، ومع ظهوره بالوجدان والعرض على الأذهان قد يعلّل بأنّ المعقول من تحديد المسافة بها وقوعها بين البلد والمقصد فلا تكون إلاّ ذهابية ، وأنّ المعروف من السفر هو الإبعاد عن الوطن ، ونحوه فتكون الفراسخ المأخوذة في تحديده موضوعة على التباعد لا التقارب ، وأنّ حقيقة العدد يقتضي تغاير المعدودات بالذات دون الاعتبار ، والتغاير مع التلفيق اعتباري محض إذا كان العود على طريق الذهاب كما هو الغالب ومطلقاً بناءاً على أنّ الفراسخ الواقعة في عرض المسافة المنتهية إلى البلد متّحدة عرفاً ، والمراد بالذهاب مطلق الحركة الامتدادية ، سواء كانت من البلد أو غيره ولا يختص الذهاب بالمسافرة من البلد كما لا يختصّ الإياب بالعود إليه ، فإنّ الذهاب والإياب أمران إضافيان يختلفان باختلاف ما أُضيف إليه ويصدق كلّ منهما بالقياس إلى البلد والمقصد ، ومنه يظهر عموم التحديد الواقع في هذه النصوص وغيرها للمسافة المبتدأة من البلد وغيره مع وجود القاطع من دون استعانة بالإجماع على عدم الفرق.
__________________
(١) الخصال : أبواب المائة فما فوقه ح ٩ ص ٦٠٤.
(٢) رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٨٩ ح ٢٧٩.