الثاني من الأُمور الّتي بنينا عليه التقريب في الحديث.
وأمّا الثالث : وهو أنّ علّة القصر هو الرجوع لليوم فيستفاد ذلك من ذكر الراوي رجوعه (عليه السلام) ليومه عقيب حكاية القصر عنه ، إذ ليس الغرض منه مجرّد بيان الأمر الواقع وهو القصر في النخيلة والرجوع لليوم من دون أن يكون للثاني دخل في الأوّل ولا ارتباط به في الحكم ولا الموضوع ، فإنّ حكاية القصر وتعقيبه بالرجوع لليوم يفيد أنّ الرجوع المذكور تعلّق بالقصر وأنّ ذلك لم يقع بمحض الاتفاق وإلاّ لكان من قبيل أن يقال قصّر في النخيلة ثمّ شرب ماءاً أو أكل خبزاً أو اشترى ثوباً أو دخل بيتاً ونحو ذلك ممّا لا دخل له في المقام ، وهو كلام مختلّ النظام.
والرجوع لليوم ليس ممّا يقصد بيانه لذاته حتّى يراد دلالته على الفائدة المترتبة عليه بل إنّما يراد لأجل تعلّقه بأمر آخر وليس في الحديث سوى القصر ، فوجب أن يكون متعلّقاً به وليس تعلّقه المقصود بالإفادة دلالته على أنّ النخيلة هي غاية السفر لا طريق إلى سفر آخر ولا دلالته على قصر السفر ليتبين به أنّ قصره (عليه السلام) قد كان في السفر القصير دون الطويل ، فإنّ قوله خرج إلى النخيلة دلّ على كونها هي الغاية المقصودة في هذا السفر ، وقد كانت النخيلة يومئذ مشهورة معروفة بين الناس معلومة القرب من الكوفة ، فلا يحتمل أن يكون الخروج إليها من السفر الطويل ، والحمل على التأكيد ممكن لكن التأسيس خير منه ، فالبناء عليه أولى ، وليس إلاّ بإرادة أنّ الرجوع لليوم هو علّة القصر والسبب فيه.
والمعنى أنّه قصّر لرجوعه في يومه لا لنفس الذهاب إليها من دون اعتبار الرجوع ، ولا للرجوع مطلقاً سواء كان لليوم أم لا ، بل لخصوص هذا الرجوع وهو الرجوع لليوم كما هو المطلوب.
وأيضاً قوله (عليه السلام) «ثمّ رجع من يومه» قد تضمّن أصل الرجوع ووقوعه في اليوم. والفائدة في الأوّل بيان أنّه رجع منها ولم يقم حتّى ينقطع سفره بالإقامة هناك ، فيكون ذكره للدلالة على الاشتراط ويتبعه القيد في ذلك فيكون شرطاً كالمقيّد ، وجعله وصلة إلى القيد غير مقصود بالبيان خلاف الأصل من وجوب