في الموضعين هو العكس بجعل المفهوم منطوقاً والمنطوق مفهوماً ، فيبقى سؤال الخروج عن الظاهر.
ولا مخلص من هذه الإشكالات إلاّ بنقل الإثبات في قوله (عليه السلام) «يتمّ الراكب الّذي يرجع من يومه» إلى النفي وتحويل الإيجاب فيه إلى معنى السلب إن لم يكن سقط حرف النفي فيه من النسّاخ كما يعطيه ظاهر وضع الكلام. والنقل إلى النفي يمكن بوجهين :
أحدهما : تقدير أداة النفي في نظم الكلام ، والمعنى : يتمّ الراكب الّذي لا يرجع من يومه ، فحذفت «لا» فيه كما حذفت من قوله تعالى (تالله تفتأُ تذكر يوسف) (١) وقول امرئ القيس (٢) :
فقلت يمين الله أبرح قاعداً |
|
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي |
فإنّ المعنى : تالله لا تفتأُ ، أي لا تزال تذكر يوسف ، ويمين الله لا أبرح قاعداً بحذف «لا» في الموضعين كما صرّح به أئمّة العربية والتفسير قال البيضاوي (٣) : لأنّه لا يلتبس بالإثبات ، فإنّ القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي. وفي «الكشّاف (٤) والمجمع (٥)» وغيرهما (٦) : أنّ الإثبات مع القسم لا ينفكّ عن اللام والنون فمع انتفائهما يتعيّن النفي. والقرينة في الحديث وقوعه جواباً عن سؤال المتسوّق الّذي لا يرجع من يومه فيكون على النفي لا على الإثبات وإلاّ لم يطابق الجواب السؤال. ومن ثمّ جعلنا الحذف في قوله «يرجع» لا في «يتمّ» وإن تمّ به المعنى ، لأنّ المطابقة لا تحصل به ، مع أنّ حكم الراكب على هذا التقدير هو القصر كصاحب السفينة فكان المناسب جمعهما فيه. وهذا الوجه مبنيّ على جواز حذف
__________________
(١) يوسف : ٨٥.
(٢) ديوان امرئ القيس : في قصيدته ألا عِمْ صباحاً ص ١٤١.
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل : في تفسير سورة يوسف الآية ٨٥ ج ١ ص ٥٠٦.
(٤) تفسير الكشّاف : في تفسير سورة يوسف الآية ٨٥ ج ٢ ص ٤٩٨.
(٥) مجمع البيان : في تفسير سورة يوسف الآية ٨٥ ج ٥ ص ٢٥٧.
(٦) التفسير الكبير : في تفسير سورة يوسف الآية ٨٥ ج ١٨ ص ١٩٦ ـ ١٩٧.