الرابع : إنّ الراجع ليومه مخالف لغيره في الحكم المذكور ، وذلك إمّا بتعيّن القصر في الصوم والصلاة أو بالتخيير فيهما كذلك أو التعيين في الصلاة لا في الصوم دون العكس فإنّه خلاف الإجماع المعلوم كتعيّن الإتمام فيهما أو في الصلاة دون الصوم مع ثبوت الترخّص لغير الراجع ليومه ، والأوّل أولى بناءاً على عموم المفهوم وأنّ مفهوم الأمر بالإتمام عرفاً هو الأمر بالقصر لا عدم الأمر بالتمام وظهور أنّ المراد من رفع التخيير في الصلاة بين الإتمام والقصر هو تعيين القصر ولأنّ القصر قد ثبت في الجميع بمفهوم المخالفة فيتعيّن بالأصل والعمومات الدالّة على تعيين القصر.
وفي الحديث دلالة على حكم آخر وهو أنّه إذا كان للمقصد طريقان أقرب وأبعد كان لكلٍّ منهما الحكم المختصّ به ولا يتعدّى الحكم من أحدهما إلى الآخر سواء سلك الأقرب أو الأبعد. وقد نبّه على ذلك الأصحاب (١) واستندوا فيه إلى العمومات ، وليس في المسألة ما يصرّح بذلك غير هذا الحديث ، فإنّه دلّ على أنّ المسافر إلى السوق ذات الطريقين إن سلك الأبعد وهو البحر البالغ مسيرة يوم وأكثر قصّر مطلقاً وإن سلك البرّ وهو أربعة فراسخ لم يثبت له ذلك. وهذا يقتضي النفي فيما دون الأربعة ، فإنّ عدم تعدّي حكم الأبعد إلى الأقرب مع كونه مسافة في الجملة يستلزم انتفاء التعدية إلى ما ليس بمسافة أصلا بطريق أولى. وإطلاق الحديث يقتضي وجوب القصر عليه إذا سلك الأبعد ولو قصد الترخّص كما هو المشهور ، وقيل (٢) بانتفاء القصر هنا وهو ضعيف.
فإن قلت : الاستدلال بالرواية استدلال بالمؤوّل ولا يصحّ إلاّ إذا انحصر
__________________
(١) منهم العلاّمة في مختلف الشيعة : في صلاة المسافر ج ٣ ص ١٤٥ ، والسيّد العاملي في مدارك الأحكام : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٣١٣.
(٢) القائل ابن البرّاج في المهذّب : في صلاة المسافر ج ١ ص ١٠٧ ، ونقله عنه السيّد العاملي في مدارك الأحكام : في صلاة المسافر ج ٤ ص ٤٣٨.