والبريد أربع فراسخ ، وفي حكمه ما زاد من الأعداد إلى أن يبلغ البريدين ، للإجماع على اتحاد حكم الجميع ودلالة التحديد بالبريدين على ذلك ، ولا ينافيه قوله : بريداً واحداً ، لأنّه للاحتراز عن المتعدّد ، ولا يحصل التعدّد إلاّ إذا كان بريدين أو أكثر ، وعليه يحمل قوله : وإن كان أكثر من بريد ، فهو تأكيد لما قبله من وجوب القصر في البريدين وتوطئة لما بعده من اشتراط خفاء الأذان.
وهذه العبارة واضحة الدلالة على المطلب جامعة لأطراف المسألة وقد دلّت صريحاً على وجوب القصر في الثمانية ووجوب الإتمام فيما دون الأربعة وهما موضع وفاق ، وعلى ثبوت التقصير بالأربعة ولو بالتخيير لمن لم يعزم على المقام وأنّه لا يكتفي بها ولا بمطلق الرجوع في تعيين القصر.
وظاهرها تعيين القصر إذا قصد الرجوع ليومه والإتمام إذا عزم على مقام عشرة أيّام والتخيير بينهما إذا لم يرد الرجوع ليومه ولم يعزم على المقام.
أمّا الأوّل فلقوله (عليه السلام) «وإن كان سفرك بريداً واحداً أو أردت أن ترجع من يومك قصّرت» فإنّه أمر بالتقصير في هذه الصورة ، وظاهره تعيين القصر ، ويؤيّده التعليل بالبريدين ، فإنّ الأمر بثبوت حكم البريدين الامتدادين هنا لاتصال المسافة وحكمها تعيين القصر فيتعيّن في هذا الفرض ، ويزيده تأكيداً قوله بعد ذلك «وإن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت تمّمت وإن شئت قصّرت» لدلالته بمفهوم الشرط وقرينة المقابلة على انتفاء الخيار إذا أراد الرجوع ليومه ، وهو إمّا تعيين الإتمام أو تعيين القصر بالبريدين ، والأوّل باطل قطعاً فتعيّن الثاني. وتحديد وجوب القصر بالبريدين وإن اقتضى لعموم المفهوم عدم تعيين القصر فيما دونهما مطلقاً ، إلاّ أنّ هذه الصورة قد خرجت من العموم بما دلّ من الكلام على تعيين القصر فيهما بالخصوص ، فكان الحدّ أحد الأمرين من البريدين الامتدادين والبريد الواحد بشرط الرجوع لليوم.
وأمّا الثاني فيستفاد من قوله (عليه السلام) «وإن عزمت على المقام وكان مدّة سفرك