لأحدٍ على الحقيقة إلا لله تعالى ، وأنَّ العباد فيما يُنسَب إليهم من الأفعال كالشجرة تُحرّكها الريح ، فالإنسان عنده لا يَقدر على شيء إنما هو مُجْبَرٌ في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، وإنما يَخلُق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يَخلُق في الجمادات ، وتُنسَب إليه مجازاً كما تُنسَب (١) إليها.
وقوله في مقدمة المنتقَى : «لا يجوز الاقتداء بالجَهْميّ ، ولا المُقاتِليّ ، ولا الرافِضيّ ، ولا القَدَريّ» : فالجَهْميّ هذا. و «المُقاتلي» : ئمَن دان بدين مقاتل بن سليمان ، وهو من رجال «المُرجئة» وهم الذين لا يَقطَعون على أهل الكبائر بشيءٍ من عفوٍ أو عقوبةٍ (٢) بل يُرْجئون الحكْم في ذلك ، أي يؤخّرونه إلى يوم القيامة. يقال : «أرجأتُ الأمر وأرجيْتُه» ، بالهمز أو الياء (٣) ، إذا أخّرتَه. والنسبة إلى المهموز : «مُرْجِئيٌّ» كمُرْجِعيّ (٤) ، وإلى غيره : «مُرْجيٌّ» بياءٍ مشدَّدة عَقيبَ الجيم فقط. وقد تفرَّد مقاتل من هؤلاء بأن الله تعالى لا يُدخل أحداً النار بارتكاب الكبائر ؛ فإنَّه (٥) تعالى يَغفر ما دُون الكفر لا محالة ، وأن المؤمن العاصيَ ربَّه يعذَّب يوم القيامة على الصراط على متْن جهنم ، يُصيبه لَفْح النار ولَهبها فيتألم بذلك على مقدار المعصية (٥٣ / ب) ثم يُدخَل الجنة.
و «الرافضيّ» : منسوب إلى «الرافضة» وهم فرقة من شيعة الكوفة كانوا مع زيد بن علي ؛ وهو ممَّن يقول بجواز إمامة المفضول مع قيام الفاضل (٦). فلما سمعوا منه هذه المقالة وعرفوا أنه لا يتَبرّأ من الشيخينِ رفَضوه ـ أي تركوه ـ فلُقّبوا بذلك ، ثم لزم هذا اللقب كلَّ من غَلا في مذهبه واستجازَ الطعنَ في الصحابة.
__________________
(١) ع ، ط : ينسب.
(٢) ع : عفوٍ ولا عقوبة.
(٣) ع : والياء.
(٤) قوله : «كمُرجعي» ساقطة من ع ، ط.
(٥) ع ، ط : وأنه.
(٦) ط : الأفضل.