فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور.
وقيل : أعلاها فتح صلحا : أي الذي سلكه أبو هريرة والأنصار ، لعدم وجود المقاتلة فيه ، وأسفلها الذي سلكه خالد فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه (١).
ونقول :
إن ذلك غير صحيح ، بل فتحت عنوة ، ونستند في ذلك إلى ما يلي :
أولا : إن نفس إعطاء الأمان لأهل مكة ، إن دخلوا المسجد ، أو بيوتهم ، أو غير ذلك يدل على أنهم قد قهروا بدخول النبي «صلىاللهعليهوآله» بلدهم ، وأن معارضتهم سوف تنتهي إلى استرجاع هذا الأمان ، واستمرار حالة الحرب.
ثانيا : قول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لأهل مكة : ما ترون أني صانع بكم؟!
قالوا : أخ كريم ، وابن أخ كريم.
قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فإن قوله : ما ترون أني صانع بكم يدل على أنه هو الذي يقرر مصيرهم ، ويصنع بهم ما يشاء ، بعد أن أصبحوا في يده بعد الفتح. ولو كان ثمة صلح ، فإن بنود الصلح وشروطه هي التي تحدد ذلك ، ولا يبقى لأحد طرفي الصلح أي خيار في مصير الطرف الآخر ..
ثالثا : لم يرد في أي نص تاريخي : أن ثمة صلحا بين النبي وبين أحد من
__________________
(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٤.