واقفا على ملاكات الأحكام ، عارفا بحدود الحلال والحرام ، فلا حاجة إلى الوحي الفعلي والتفصيلي في كل كبيرة وصغيرة ، ولذلك فوض الله تعالى إليه حق وضع الأحكام وتشريعها في الوقت الذي تكتمل فيه عناصره ..
وقد أوضحنا ذلك في كتابنا : «الولاية التشريعية» فراجع.
٢ ـ واستدلوا ـ كما ذكره الآمدي أيضا ـ بما روي عنه «صلىاللهعليهوآله» : «أنه أمر مناديا يوم فتح مكة : «أن اقتلوا ابن حبابة ، وابن أبي سرح ، ولو كانا متعلقين بأستار الكعبة» ثم عفا عن ابن أبي سرح ، بشفاعة عثمان. ولو كان قد أمر بقتله بوحي لما خالفه بشفاعة عثمان» (١).
وأجابوا أيضا : «يجوز أن يكون قد أبيح القتل ، وتركه بالوحي ، بدليل ما سبق في الآية» (٢).
أي بدليل أنه «صلىاللهعليهوآله» لا يقول ما يقول إلا بوحي ، لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).
غير أننا بنحو آخر من البيان نقول :
إن الحكم بالقتل كان متعلقا بهؤلاء الناس ، من حيث أن جرمهم يوجب ذلك .. فإذا استجدت أمور ، مثل ظهور التعصب القبلي أو حدوث انشقاقات خطيرة توجب فسادا كبيرا ، وتضييعا لحقوق الكثيرين ، وصدا عن سبيل الله ، بحيث يمنع ذلك من دخول بعض الناس في الإسلام أو نحو ذلك ، فإن الحكم بالقتل يرتفع ويحل محله العفو. أي أن الحكم يتبدل
__________________
(١) الإحكام في أصول الأحكام ج ٤ ص ١٨٢.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام ج ٤ ص ١٨٤.