قال : «قلتم : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ، ورأفة في عشيرته».
قالوا : قد قلنا ذلك يا رسول الله.
قال : «فما أسمّى إذن!! كلا ، إني عبد الله ورسوله ، هاجرت إلى الله وإليكم ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم».
فأقبلوا إليه يبكون ، يقولون : والله يا رسول الله ، ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله.
فقال رسول الله : «فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم» (١).
ونقول :
إن الأنصار حين قالوا ، أو قال بعضهم : أدركته رغبة في قريته ، ورأفة في عشيرته ، قد جروا على مقتضيات الطبع البشري الإنساني ، الذي يختزن الحنين إلى الأوطان ، والرحمة ، والرأفة بذوي الأرحام ، وقد غفلوا عن أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد صنعه الله تعالى على عينه ، وأصبح فانيا في الطاعة والعبودية له تعالى ، يرى ما يرى ، ويرضيه ما يرضيه ، ويغضبه ما يغضبه ، ولا يريد إلا ما يريد.
وهو أيضا رسوله الذي جاءهم بالهدى ودين الحق ، الذي لا يحابي قومه على حساب دينه وعقيدته ، ولا يحن إلى شيء إلا إذا كان في ذلك الحنين رضا الله وطاعته.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤٦ عن الطيالسي ، وابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأحمد.
وأشار في هامشه إلى : مسلم ٣ / ١٤٠٧ في الجهاد والسير باب فتح مكة ٨٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٥٦ ومعاني الآثار ج ٣ ص ٣٢٥. وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٩.