حفظ الإسلام هذه الصلة والخصوصية ، ورضيها.
ولكنه نزع منها أو فقل : غيّر فيها نزعة العصبية وكرّسها في أن تكون عصبية للحق ، وللدين ، والسعي لرضا الله تعالى ، والالتزام بأوامره في حفظ نفس هذه الصلة أيضا.
الثانية : العصبية للعشيرة ، وللنسب ، والإندفاع في تلبية طموحات ذلك المتعصب ، وأهوائه إلى حد الظلم والعدوان على الآخرين ، لمجرد الإستجابة للداعي النسبي ، أو العشائري. وهذا مرفوض ومدان في الإسلام.
ومن الواضح : أن ترتيب الكتائب وفق التصنيف العشائري هو من الصنف الأول أي أنه لا يوجب ضررا ، بل هو مفيد وسديد ، ويوجب تنافسا في السعي إلى تحقيق رضا الله تبارك وتعالى فيما ندبهم إليه .. وهو يدفع أيضا إلى التناصر في ساحات الجهاد ، ويقلل من حجم الخسائر بين أهل الإيمان.
بل لقد كان لهذا التنظيم فائدة أخرى هامة جدا ، وخصوصا في فتح مكة .. حيث رأى أبو سفيان : كيف أن مختلف قبائل العرب ، التي طالما علّق آماله على نصرها ، تنضوي تحت لواء الإسلام ، وتأتي لفتح بلد كان يعتبره آخر ما يمكن أن يفكر أحد بجمع الجيوش لدخوله ..
ولذلك كان أبو سفيان كلما مرت به قبيلة من تلك القبائل ، على هيئتها وبعدتها القتالية ، يعرب عن حيرته في دوافع تلك القبيلة إلى أن تكون في موقع المحارب له ، ثم أن تبلغ في عدائها له وللمشركين إلى هذا الحد ، وهو أن تدخل مكة ، فيقول : ما لي ولقبيلة كذا .. ثم يكرر هذا القول بالنسبة للقبيلة التي تليها .. وهكذا.
وقد يقول عن بعض القبائل : «ما كان بيننا وبينها ترة قط».