فإن لم يكن ملتفتا في بادئ الأمر إلى أن أهل مكة قد يؤذون عمه ، وقد يجري له معهم كما جرى لعروة بن مسعود حيث قتلته ثقيف حينما دعاهم إلى الله تعالى ، فذلك يشير إلى نقص لا يصح نسبته إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» .. وإن كان قد التفت إلى ذلك وكان قرارا مصيبا ، فلما ذا عدل عنه؟! وإن كان قرارا خاطئا فلما ذا اتخذه ، وأصدر أمره على أساسه؟!
وهل يمكن أن يكون النبي «صلىاللهعليهوآله» مترددا إلى هذا الحد؟ ثم ألا يوجب ذلك وهن أمره ، وضعف أثره؟
ومن تكون هذه حاله ، كيف يستطيع أن يجمع هذه الجموع ويحقق هذه الإنجازات؟!
٢ ـ إن عروة بن مسعود حين دعا ثقيفا إلى الله لم يكن وراءه من تخشاه ثقيف ولا كان معه ، عشرة آلاف مقاتل ، ولا كان قد أخذ من زعمائهم من هو مثل أبي سفيان ، وبديل بن ورقاء ، وحكيم بن حزام ..
أما العباس ، فكان كل ذلك متوفرا بالنسبة إليه ، فلا معنى لقياس حاله بحال ابن مسعود الثقفي ، الذي قتلته ثقيف ..
٣ ـ إن واضع الرواية لم تكن لديه خبرة كافية بالتاريخ. فإن ما ذكره من خشية النبي «صلىاللهعليهوآله» من أن يجري على عمه مثل ما جرى على عروة بن مسعود ، حيث قتلته ثقيف حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الله ، لا يمكن أن يصح ، لأن عروة ـ كما صرحت به النصوص ـ إنما قتلته ثقيف في سنة تسع بعد رجوع أبي بكر من الحج (١).
__________________
(١) الإصابة ج ٢ ص ٤٧٧ عن موسى بن عقبة.