وهم صاغرون ..
ولم يحدث في تاريخ طواغيت الأرض وعتاتها أن تأتي عساكر أعدائهم لتقف على تخوم بلادهم ، وهي ثلة قليلة العدد ضعيفة العدة ، ثم يسكتون ولا يحركون ساكنا ، وكأن شيئا لم يكن ، مع قدرتهم على تجنيد عشرة أضعاف ذلك العدو بأفضل عدة ، وأتم وأوفى عدد!!
بل تراه يتحايل على ذلك العدو ، ويرسل له بالهدايا ، وبالكلمات المعسولة ، حتى إنه ليدّعي ـ كاذبا ـ الإنقياد له ، والقبول به ، والتبعية والطاعة لكل ما يأمر به وينهى عنه.
ثم يتبع ذلك بما يشير إلى أنه بصدد التأكد من أمر النبوة ، وأنه يبحث عن الحقيقة ، لكي يسلب منه القدرة على التصميم على مهاجمته ، وليحرجه في قرار المضي بالحرب معه ، أو في التوغل في بلاده ، لو أنه فكر في ذلك ، لأنه كان يعلم أنه لا يمكن للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يتخذ قرارا كهذا في حق من يظهر أنه يبحث عن الحق ، ويتلمس دلائله ..
والذي يبدو لنا : هو أن سبب هذا الإستخذاء من هرقل ، ومن أصحاب القرار في مملكة الروم هو ما جرى في مؤتة ..
فهي قد عرّفت قيصر ، ومن معه : أن الأمر في أية مواجهة مع هذا النبي الكريم «صلى الله عليه وآله» ، سيكون بالغ الخطورة ، إن لم نقل : إنهم كانوا على يقين من أنه لن يأتي لهم بغير الخزي والعار ، والذل والصّغار ، والهزيمة النكراء ، والفضيحة الصلعاء ..
إذ إن مئات الأولوف التي جاء بها قيصر إلى حرب مؤتة قد واجهت ثلاثة آلاف فقط من المسلمين ، وكان من المتوقع : أن يسقط أكثر المسلمين