الأندلس ، وخبّره بما كان منه ومن طريف أبي زرعة ، وما نالوه من أهلها ، وباشروه من طيبها ، فحمد الله على ذلك ، واستجدّ عزما في إقحام المسلمين فيها ، فدعا مولى له كان على مقدّمته يسمّى طارق بن زياد بن عبد الله فارسيّا همذانيّا ، وقيل : إنه ليس بمولى لموسى ، وإنما هو رجل من صدف ، وقيل : مولى لهم ، وقد كان بعض عقبه بالأندلس ينكرون ولاء موسى إنكارا شديدا ، وقيل : إنه بربري من نفزة ، فعقد له موسى ، وبعثه في سبعة آلاف من المسلمين جلّهم البربر والموالي ، وليس فيهم عرب إلّا قليل ، ووجّه معه يليان ، فهيأ له يليان المراكب ، فركب في أربعة سفن لا صناعة له غيرها ، وحطّ بجبل طارق المنسوب إليه يوم سبت في شعبان سنة اثنتين وتسعين ، في شهر أغسطس (١) ، ثم صرف المراكب إلى من خلفه من أصحابه ، فركب من بقي من الناس ، ولم تزل السفائن تختلف إليهم حتى توافى جميعهم عنده بالجبل ، وقيل : حلّ طارق بجبله يوم الاثنين لخمس خلون من رجب من السنة في اثني عشر ألفا غير ستة عشر رجلا من البرابرة ، ولم يكن فيهم من العرب إلّا يسير ، أجازهم يليان إلى ساحل الأندلس في مراكب التجار من حيث لم يعلم بهم ، أوّلا أوّلا ، وركب أميرهم طارق آخرهم.
قيل : وأصاب طارق عجوزا من أهل الجزيرة ، فقالت له في بعض قولها : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان فكان يحدّثهم عن أمير يدخل إلى بلدهم هذا ، ويغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر ، فإن كانت بك هذه العلامة فأنت هو ، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرته العجوز ، فاستبشر بذلك هو ومن معه.
وذكر عن طارق أنه كان نائما في المركب فرأى في منامه النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، والخلفاء الأربعة أصحابه عليهم الصلاة والسلام يمشون على الماء حتى مرّوا به ، فبشّره النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، بالفتح ، وأمره بالرفق بالمسلمين ، والوفاء بالعهد. وقيل : إنه لمّا ركب البحر غلبته عينه فكان يرى النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلّدوا السيوف وتنكّبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : يا طارق ، تقدّم لشأنك ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فهبّ من نومه مستبشرا ، وبشّر أصحابه ، وثابت إليه نفسه ثقة ببشراه ، فقويت نفسه ، ولم يشكّ في الظفر ، فخرج من البلد ، واقتحم بسيط البلاد شانّا للغارة.
__________________
(١) في ب : أغشت.