هدم سورها فلم يقدروا عليه ؛ لأنّ عرضه كان سبعة عشر ذراعا ، فثلموا فيه ثلمة ورجعوا.
ثم أغزى عبد الرحمن حاجبه عبد الكريم في العساكر إلى بلاد برشلونة ، فعاث في نواحيها وأجاز الدروب التي تسمّى البرت إلى بلاد الفرنجة فدوّخها قتلا وأسرا وسبيا ، وحاصر مدينتها العظمى جرندة ، وعاث في نواحيها ، وقفل. وقد كان ملك القسطنطينية من ورائهم نوفلس (١) بعث إلى الأمير عبد الرحمن سنة خمس وعشرين بهدية يطلب مواصلته ويرغّبه في ملك سلفه بالمشرق من أجل ما ضيق به المأمون والمعتصم حتى إنه ذكرهما له في كتابه له وعبّر عنهما بابني مراجل وماردة ، فكافأه الأمير عبد الرحمن عن الهدية ، وبعث إليه يحيى الغزال من كبار أهل الدولة ، وكان مشهورا في الشعر والحكمة ، فأحكم بينهما الوصلة ، وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بني العباس.
ويعرف الأمير عبد الرحمن بالأوسط ؛ لأنّ الأول عبد الرحمن الداخل ، والثالث عبد الرحمن الناصر.
ثم توفي عبد الرحمن الأوسط سنة ثمان وثلاثين ومائتين ، بربيع الآخر ، لإحدى وثلاثين سنة من إمارته.
ومولده بطليطلة في شعبان سنة ست وسبعين ومائة.
وكان عالما بعلوم الشريعة والفلسفة ، وكانت أيامه أيام هدوء وسكون ، وكثرت الأموال عنده ، واتّخذ القصور والمتنزهات ، وجلب إليها المياه من الجبال ، وجعل لقصره مصنعا اتخذه الناس شريعة (٢) ، وأقام الجسور ، وبنيت في أيامه الجوامع بكور الأندلس ، وزاد في جامع قرطبة رواقين ، ومات قبل أن يستتمّه ، فأتمّه ابنه محمد بعده ، وبنى بالأندلس جوامع كثيرة ، ورتّب رسوم (٣) المملكة ، واحتجب عن العامّة.
وعدد ولده مائة وخمسون من الذكور ، وخمسون من الإناث ، ونقش خاتمه «عابد الرحمن بقضاء الله راض» وفي ذلك قيل : [مجزوء الكامل]
خاتم للملك أضحى |
|
حكمه في الناس ماضي |
عابد الرحمن فيه |
|
بقضاء الله راضي |
__________________
(١) في ب توفلس.
(٢) المصنع : الحوض يجتمع فيه ماء المطر. والشريعة : مورد الماء يستقي منه الناس.
(٣) رسوم المملكة : أراد : نظمها.