تعالى سؤددهم (١) وعلاهم ، لضاق عن ذلك هذا النّطاق ، وكان من شبه التكليف بما لا يطاق ، فليت شعري بأيّ أسلوب ، أؤدّي بعض حقّهم المطلوب؟ أم بأي لسان ، أثني على مزاياهم الحسان؟ وما عسى أن أقول في قوم نسقوا الفضائل ولاء ، وتعاطوا أكواب المحامد ملاء (٢)؟ وسحبوا من المجد مطارف وملاء (٣) ، وحازوا المكارم ، وبذّوا (٤) الموادد والمصارم ، سؤددا وعلاء؟ : [الرجز]
فما رياض زهر الرّبيع |
|
إذا بدت في وشيها البديع |
ضاحكة عن شنب الأقاح |
|
عند سفور طلعة الصّباح |
غنّى بها مطوّق الحمام |
|
وصافحتها راحة الغمام |
وباكرتها نسمة من الصّبا |
|
فأصبحت كأنها عهد الصّبا |
نضارة ورونقا وبهجه |
|
تفدى بكلّ ناظر ومهجه |
أطيب من ثنائهم عبيرا |
|
بين الورى فاسأل به خبيرا |
دامت معاليهم على طول الزمن |
|
يروى حديث الفضل عنها عن حسن |
وثابت وقرّة وسعد |
|
وأسعفوا بنيل كلّ وعد |
فهم الذين نوّهوا بقدري الخامل ، وظنّوا مع نقصي أنّ بحر معرفتي وافر كامل ، حسبما اقتضاه طبعهم العالي :
فلو شريت بعمري ساعة ذهبت |
|
من عيشتي معهم ما كان بالغالي (٥) |
فمتعيّن حقّهم لا يترك ، وحبّهم لا يخالط بغيره ولا يشرك ، وإن أطلت الوصف فالغاية في ذلك لا تدرك : [البسيط]
يزداد في مسمعي ترداد ذكرهم |
|
طيبا ويحسن في عيني مكرّره |
وإذا كان المديح الصادق لا يزيدهم رفعة قدر ، فهم كما قال الأعرابي الذي ضلّت ناقته في مدح البدر ، والبليغ وذو الحصر في ذلك سيّان ، والحقّ أبلج والباطل لجلج وليس الخبر كالعيان : [الطويل]
__________________
(١) في ب : سعودهم.
(٢) في ب : ولاء.
(٣) المطارف : الثياب المعلمة. والملاء : جمع ملاءة : ثوب ذو شقين متضامين.
(٤) بذّوا : غلبوا.
(٥) في أ: ورد البيت نثرا وبدل كلمة عيشتي جاءت كلمة عيشي وبذلك ينكسر الوزن.