شروع في الغرض الأصلي من هذه السورة ، وهذه الجملة مستأنفة ، وأكد بحرف التأكيد للاهتمام ، وصيغة المضارع في قوله : (يُبايِعُونَكَ) لاستحضار حالة المبايعة الجليلة لتكون كأنها حاصلة في زمن نزول هذه الآية مع أنها قد انقضت وذلك كقوله تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨].
والحصر المفاد من (إِنَّما) حصر الفعل في مفعوله ، أي لا يبايعون إلا الله وهو قصر ادعائيّ بادعاء أن غاية البيعة وغرضها هو النصر لدين الله ورسوله فنزل الغرض منزلة الوسيلة فادعى أنهم بايعوا الله لا الرسول. وحيث كان الحصر تأكيدا على تأكيد ، كما قال صاحب «المفتاح» : «لم أجعل (إنّ) التي في مفتتح الجملة للتأكيد لحصول التأكيد بغيرها فجعلتها للاهتمام بهذا الخبر ليحصل بذلك غرضان».
وانتقل من هذا الادعاء إلى تخيل أن الله تعالى يبايعه المبايعون فأثبتت له اليد التي هي من روادف المبايع بالفتح على وجه التخييلية مثل إثبات الأظفار للمنية.
وقد هيأت صيغة المبايعة لأن تذكر بعدها الأيدي لأن المبايعة يقارنها وضع المبايع يده في يد المبايع بالفتح كما قال كعب بن زهير :
حتى وضعت يميني لا أنازعه |
|
في كفّ ذي يسرات قيله القيل |
ومما زاد هذا التخييل حسنا ما فيه من المشاكلة بين يد الله وأيديهم كما قال في «المفتاح» : والمشاكلة من المحسنات البديعية والله منزّه عن اليد وسمات المحدثات.
فجملة (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) مقررة لمضمون جملة (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) المفيدة أن بيعتهم النبي صلىاللهعليهوسلم في الظاهر ، هي بيعة منهم لله في الواقع فقررته جملة (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وأكدته ولذلك جردت عن حرف العطف. وجعلت اليد المتخيلة فوق أيديهم : إمّا لأن إضافتها إلى الله تقتضي تشريفها بالرفعة على أيدي الناس كما وصفت في المعطي بالعليا في قول النبي صلىاللهعليهوسلم «اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة» ، وإما لأن المبايعة كانت بأن يمد المبايع كفه أمام المبايع بالفتح ويضع هذا المبايع يده على يد المبايع ، فالوصف بالفوقية من تمام التخييلية. ويشهد لهذا ما في «صحيح مسلم» أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما بايعه الناس كان عمر آخذا بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي كان عمر يضع يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أيدي الناس كيلا يتعب بتحريكها لكثرة المبايعين فدلّ على أن يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت توضع على يد المبايعين. وأيّا ما كان