فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) في سورة غافر [٢٦].
وقوله : (نَتَّبِعْكُمْ) حكاية لمقالتهم وهو يقتضي أنهم قالوا هذه الكلمة استنزالا لإجابة طلبهم بأن أظهروا أنهم يخرجون إلى غزو خيبر كالأتباع ، أي أنهم راضون بأن يكونوا في مؤخرة الجيش فيكون حظهم في مغانمه ضعيفا.
وتبديل كلام الله : مخالفة وحيه من الأمر والنهي والوعد كرامة للمجاهدين وتأديبا للمخلفين عن الخروج إلى الحديبيّة. فالمراد بكلام الله ما أوحاه إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم من وعد أهل الحديبيّة بمغانم خيبر خاصة لهم ، وليس المراد بكلام الله هنا القرآن إذ لم ينزل في ذلك قرآن يومئذ. وقد أشرك مع أهل الحديبية من ألحق بهم من أهل هجرة الحبشة الذين أعطاهم النبيصلىاللهعليهوسلم بوحي.
وأما ما روي عن عبد الله بن زيد بن أسلم أن المراد بكلام الله قوله تعالى : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [التوبة : ٨٣] فقد رده ابن عطية بأنها نزلت بعد هذه السورة وهؤلاء المخلفون لم يمنعوا منعا مؤبدا بل منعوا من المشاركة في غزوة خيبر لئلا يشاركوا في مغانمها فلا يلاقي قوله فيها (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) وينافي قوله في هذه السورة (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ) [الفتح : ١٦] الآية ، فإنها نزلت في غزوة تبوك وهي بعد الحديبيّة بثلاث سنين.
وجملة (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) في موضع الحال. والإرادة في قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) على حقيقتها لأنهم سيعلمون حينئذ يقولون : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) أن الله أوحى إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بمنعهم من المشاركة في فتح خيبر كما دل عليه تنازلهم في قولهم : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) فهم يريدون حينئذ أن يغيروا ما أمر الله به رسوله حين يقولون (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) إذ اتباع الجيش والخروج في أوله سواء في المقصود من الخروج.
وقرأ الجمهور (كَلامَ اللهِ). وقرأه حمزة والكسائي وخلف كلم الله اسم جمع كلمة. وجيء ب (لَنْ) المفيدة تأكيد النفي لقطع أطماعهم في الإذن لهم باتباع الجيش الخارج إلى خيبر ولذلك حذف متعلق (تَتَّبِعُونا) للعلم به. و (مِنْ قَبْلُ) تقديره : من قبل طلبكم الذي تطلبونه وقد أخبر الله عنهم بما سيقولونه إذ قال : (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) ، وقد قالوا ذلك بعد نحو شهر ونصف فلما سمع المسلمون المتأهبون للخروج إلى خيبر مقالتهم قالوا : قد أخبرنا الله في الحديبية بأنهم سيقولون هذا.