و (فِي قُلُوبِهِمُ) متعلق ب (جَعَلَ) ، أي وضع الحمية في قلوبهم.
وقوله : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) عطف بيان للحمية قصد من إجماله ثم تفصيله تقرير مدلوله وتأكيده ما يحصل لو قال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ).
وإضافة الحمية إلى الجاهلية لقصد تحقيرها وتشنيعها فإنها من خلق أهل الجاهلية فإن ذلك انتساب ذم في اصطلاح القرآن كقوله : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) [آل عمران : ١٥٤] وقوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) [المائدة : ٥٠].
ويعكس ذلك إضافة السكينة إلى ضمير الله تعالى إضافة تشريف لأن السكينة من الأخلاق الفاضلة فهي موهبة إلهية.
وتفريع (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، على (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يؤذن بأن المؤمنين ودّوا أن يقاتلوا المشركين وأن يدخلوا مكة للعمرة عنوة غضبا من صدّهم عنها ولكن الله أنزل عليهم السكينة.
والمراد بالسكينة : الثبات والأناة ، أي جعل في قلوبهم التأنّي وصرف عنهم العجلة ، فعصمهم من مقابلة الحمية بالغضب والانتقام فقابلوا الحمية بالتعقل والتثبت فكان في ذلك خير كثير.
وفي هذه الآية من النكت المعنوية مقابلة (جَعَلَ) ب (فَأَنْزَلَ) في قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) وقوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) فدلّ على شرف السكينة على الحمية لأن الإنزال تخييل للرفعة وإضافة الحمية إلى الجاهلية ، وإضافة السكينة إلى اسم ذاته. وعطف على إنزال الله سكينته (أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] ، أي جعل كلمة التقوى لازمة لهم لا يفارقونها ، أي قرن بينهم وبين كلمة التقوى ليكون ذلك مقابل قوله : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الفتح : ٢٥] فإنه لما ربط صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بالظرف في قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) ربطا يفيد التعليل كما قدمناه آنفا ربط ملازمة المسلمين كلمة التقوى بإنزال السكينة في قلوبهم ، ليكون إنزال السكينة في قلوبهم ، وهو أمر باطني ، مؤثرا فيهم عملا ظاهريا وهو ملازمتهم كلمة التقوى كما كانت حمية الجاهلية هي التي دفعت الذين كفروا إلى صد المسلمين عن المسجد الحرام.
وضمير النصب في (وَأَلْزَمَهُمْ) عائد إلى (الْمُؤْمِنِينَ) لأنهم هم الذين عوّض الله