غضبهم بالسكينة ولم يكن رسول الله مفارقا السكينة من قبل.
و (كَلِمَةَ التَّقْوى) إن حملت على ظاهر معنى (كَلِمَةَ) كانت من قبيل الألفاظ وإطلاق الكلمة على الكلام شائع ، قال تعالى : (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] ففسرت الكلمة هنا بأنها قول : لا إله إلا الله. وروي هذا عن أبيّ بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الترمذي ، وقال : هو حديث غريب. قلت : في سنده : ثوير ، ويقال : ثور بن أبي فاختة قال فيه الدار قطني : هو متروك ، وقال أبو حاتم : هو ضعيف. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة وسلمة بن الأكوع مثله مرفوعا وكلها ضعيفة الأسانيد. وروي تفسيرها بذلك عند عدد كثير من الصحابة ومعنى إلزامه إياهم كلمة التقوى : أنه قدّر لهم الثبات عليها قولا بلفظها وعملا بمدلولها إذ فائدة الكلام حصول معناه ، فإطلاق (الكلمة) هنا كإطلاقه في قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨] يعني بها قول إبراهيم لأبيه وقومه (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) [الزخرف : ٢٦ ، ٢٧].
وإضافة (كَلِمَةَ) إلى (التَّقْوى) على هذا التفسير إضافة حقيقية. ومعنى إضافتها : أن كلمة الشهادة أصل التقوى فإن أساس التقوى اجتناب عبادة الأصنام ، ثم تتفرع على ذلك شعب التقوى كلها. ورويت أقوال أخرى في تفسير (كَلِمَةَ التَّقْوى) بمعنى كلام آخر من الكلم الطيب وهي تفاسير لا تلائم سياق الكلام ولا نظمه. ويجوز أن تحتمل (كَلِمَةَ) على غير ظاهر معناها فتكون مقحمة وتكون إضافتها إلى التقوى إضافة بيانية ، أي كلمة هي التقوى ، ويكون المعنى : وألزمهم التقوى على حد إقحام لفظ اسم في قول لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومنه قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٧٨] على أحد التفسيرين فيه. ويدخل في التقوى ابتداء توحيد الله تعالى.
ويجوز أن يكون لفظ (كَلِمَةَ) مطلقا على حقيقة الشيء. وجماع معناه كإطلاق الاسم في قول النابغة :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها |
|
يهدي إلى غرائب الأشعار |
ويؤيد هذا الوجه ما نقل عن مجاهد أنه قال : كلمة التقوى : الإخلاص. فجعل (الكلمة) معنى من التقوى. فالمعنى على هذين التوجهين الأخيرين : أنهم تخلقوا بالتقوى لا يفارقونها فاستعير الإلزام لدوام المقارنة. وهذان الوجهان لا يعارضان تفسير كلمة