وأما جملة (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) فهي معترضة بين الجملتين الأخريين.
والمقصود من اعتراضها : إدماج تأديب آخر من واجب بث التعارف والتواصل بين القبائل والأمم وأن ذلك مراد الله منهم.
ومن معنى الآية ما خطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حجة الوداع إذ قال : «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وأن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى».
ومن نمط نظم الآية وتبيينها ما رواه الترمذي في تفسير هذه الآية قول النبيصلىاللهعليهوسلم : «إن الله أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرها لا لآباء الناس مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب». وفي رواية «أن ذلك مما خطب به يوم فتح مكة (عبية بضم العين المهملة وبكسرها وبتشديد الموحدة المكسورة ثم تشديد المثناة التحتية : الكبر والفخر. ووزنهما على لغة ضم الفاء فعولة وعلى لغة كسر الفاء فعلية ، وهي إما مشتقة من التعبية فتضعيف الباء لمجرد الإلحاق مثل نضّ الثوب بمعنى نضى أو مشتقة من عباب الماء فالتضعيف في الباء أصلي).
وفي رواية ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عمر «طاف رسول الله يوم فتح مكة ثم خطبهم في بطن المسيل فذكر الحديث وزاد فيه أن الله يقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) إلى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وجملة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا وإنما أخّرت في النظم عن جملة إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، لتكون تلك الجملة السابقة كالتوطئة لهذه وتتنزل منها منزلة المقدمة لأنهم لما تساووا في أصل الخلقة من أب واحد وأم واحدة كان الشأن أن لا يفضل بعضهم بعضا إلا بالكمال النفساني وهو الكمال الذي يرضاه الله لهم والذي جعل التقوى وسيلته ولذلك ناط التفاضل في الكرم ب (عِنْدَ اللهِ) إذ لا اعتداد بكرم لا يعبأ الله به.
والمراد بالأكرم : الأنفس والأشرف ، كما تقدم بيانه في قوله : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
والأتقى : الأفضل في التقوى وهو اسم تفضيل صيغ من اتّقى على غير قياس.