عساكر : لما ذكر الله التوحيد والاستقامة عطف الوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن. وكلا هذين القولين غير مقنع في وجه الاتصال. ووجه الاتصال عندي أن هذا انتقال إلى قول آخر من أقوال المشركين وهو كلامهم في إنكار البعث وجدالهم فيه فإن ذلك من أصول كفرهم بمحل القصد من هذه الآيات قوله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) إلى قوله : (خاسِرِينَ) [الأحقاف : ١٧ ، ١٨].
وصيغ هذا في أسلوب قصة جدال بين والدين مؤمنين وولد كافر ، وقصة جدال بين ولد مؤمن ووالدين كافرين لأن لذلك الأسلوب وقعا في أنفس السامعين مع ما روي أن ذلك إشارة إلى جدال جرى بين عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قبل إسلامه وبين والديه كما سيأتي. ولذلك تعيّن أن يكون ما قبله توطئة وتمهيدا لذكر هذا الجدال.
وقد روى الواحدي عن ابن عبّاس أن قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) إلى قوله : (يُوعَدُونَ) [الأحقاف : ١٥ ، ١٦] نزل في أبي بكر الصديق. وقال ابن عطية وغير واحد : نزلت في أبي بكر وأبيه (أبي قحافة) وأمه (أم الخير) أسلم أبواه جميعا. وقد تكررت الوصاية ببر الوالدين في القرآن وحرض عليها النبي صلىاللهعليهوسلم في مواطن عديدة فكان البر بالوالدين أجلى مظهرا في هذه الأمة منه في غيرها وكان من بركات أهلها بحيث لم يبلغ بر الوالدين مبلغا في أمة مبلغه في المسلمين. وتقدم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) في سورة العنكبوت [٨].
والمراد بالإنسان الجنس ، أي وصينا الناس وهو مراد به خصوص الناس الذين جاءتهم الرسل بوصايا الله والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذلك هو المناسب لقوله في آخرها (أُولئِكَ الَّذِينَ) يتقبل (عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) [الأحقاف : ١٦] الآية.
وكذلك هو فيما ورد من الآيات في هذا الغرض كما في سورة العنكبوت وفي سورة لقمان بصيغة واحدة.
والحسن : مصدر حسن ، أي وصيناه بحسن المعاملة. وقرأه الجمهور كذلك. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف (إِحْساناً). والنصب على القراءتين إما بنزع الخافض وهو الباء وإما بتضمين (وَصَّيْنَا) معنى : ألزمنا.
والكره : بفتح الكاف وبضمها مصدر أكره ، إذا امتعض من شيء ، أي كان حمله مكروها لها ، أي حالة حمله وولادته لذلك. وقرأ الجمهور كرها في الموضعين بفتح