الفاء لتفريع بقية القصة على ما ذكر منها ، أي فلما أراد الله إصابتهم بالعذاب ورأوه عارض قالوا : (هذا عارِضٌ) إلى آخره ، ففي الكلام تقدير يدل عليه السياق ، ويسمى التفريع فيه فصيحة ، وقد طوي ذكر ما حدث بين تكذيبهم هودا وبين نزول العذاب بهم ، وذكر في كتب تاريخ العرب أنهم أصابهم قحط شديد سنين ، وأن هودا فارقهم فخرج إلى مكة ومات بها ، وقد قيل إنه دفن في الحجر حول الكعبة ، وتقدم في سورة الحجر.
وقولهم : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) يشير إلى أنهم كانوا في حاجة إلى المطر. وورد في سورة هود [٥٢] قول هود لهم : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) وقصتهم مبسوطة في تفسيرنا لسورة هود.
وضمير (رَأَوْهُ) عائد إلى ما (تَعِدُنا) [الأحقاف : ٢٢] ، وهو العذاب. وأطلق على المرئي ضمير العذاب لأن المرئي سبب العذاب وهو ما حملته الريح. و (عارِضاً) حال منه ، والعارض : السحاب الذي يعترض جو السماء أي رأوه كالعارض. وليس المراد عارض المطر لأنه ليس كذلك وكيف قد أبطل قولهم : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) بقوله : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ). و (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) نعت ل (عارِضاً).
والاستقبال : التوجه قبالة الشيء ، أي سائرا نحو أوديتهم.
وأودية : جمع واد جمعا نادرا مثل ناد وأندية. ويطلق الواد على محلة القوم ونزلهم إطلاقا أغلبيا لأنّ غالب منازلهم في السهول ومقارّ المياه. وفي حديث سعد بن معاذ بمكة بعد الهجرة وما جرى بينه وبين أبي جهل من تحاور ورفع صوته على أبي جهل فقال له أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيّد أهل الوادي. وجمع الأودية باعتبار كثرة منازلهم وانتشارها.
والعارض في قولهم : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) : السحاب العظيم الذي يعرض في الأفق كالجبل ، و (مُمْطِرُنا) نعت ل (عارِضٌ).
وقوله : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) مقول لقول محذوف ، يجوز أن يكون من قول هود إن كان هود بين ظهرانيهم ولم يكن خرج قبل ذلك إلى مكة أو هو من قول بعض رجالهم رأى مخائل الشرّ في ذلك السحاب. قيل : القائل هو بكر بن معاوية من قوم عاد. قال لما رآه : «إني لأرى سحابا مرمدا لا تدع من عاد أحدا» لعله تبين له الحق من إنذار هود حين رأى عارضا غير مألوف ولم ينفعه ذلك بعد أن حلّ العذاب بهم ، أو كان قد آمن