عوضا عن المضاف إليه ، أي فضرب رقابهم وشدّوا وثاقهم.
والمنّ : الإنعام : والمراد به : إطلاق الأسير واسترقاقه فإن الاسترقاق منّ عليه إذ لم يقتل ، والفداء : بكسر الفاء ممدودا تخليص الأسير من الأسر بعوض من مال أو مبادلة بأسرى من المسلمين في يدي العدو. وقدم المن على الفداء ترجيحا له لأنه أعون على امتلاك ضمير الممنون عليه ليستعمل بذلك بغضه.
وانتصب (مَنًّا) و (فِداءً) على المفعولية المطلقة بدلا من عامليهما ، والتقدير : إما تمنون وإما تفدون.
وقوله (بَعْدُ) أي بعد الإثخان وهذا تقييد لإباحة المنّ والفداء. وذلك موكول إلى نظر أمير الجيش بحسب ما يراه من المصلحة في أحد الأمرين كما فعل النبي صلىاللهعليهوسلم بعد غزوة هوازن. وهذا هو ظاهر الآية والأصل عدم النسخ ، وهذا رأي جمهور أئمة الفقه وأهل النظر. فقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) عام في كل كافر ، أي مشرك يشمل الرجال وهم المعروف حربهم ويشمل من حارب معهم من النساء والصبيان والرهبان والأحبار. وهذه الآية لتحديد أحوال القتال وما بعده ، لا لبيان وقت القتال ولا لبيان من هم الكافرون ، لأن أوقات القتال مبينة في سورة براءة. ومعرفة الكافرين معلومة من اصطلاح القرآن بقوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].
ثم يظهر أن هذه الآية نزلت بعد آية (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) في سورة الأنفال [٦٧]. واختلف العلماء في حكم هذه الآية في القتل والمن والفداء والذي ذهب إليه مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وهو أحد قولين عن أبي حنيفة رواه الطحاوي ، ومن السلف عبد الله بن عمر ، وعطاء ، وسعيد بن جبير : أن هذه الآية غير منسوخة ، وأنها تقتضي التخيير في أسرى المشركين بين القتل أو المن أو الفداء ، وأمير الجيش مخيّر في ذلك. ويشبه أن يكون أصحاب هذا القول يرون أن مورد الآية الإذن في المنّ أو الفداء فهي ناسخة أو منهية لحكم قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في سورة الأنفال [٦٧ ، ٦٨].
وهذا أولى من جعلها ناسخة لقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) لما علم من أن مورد تلك هو تعيين أوقات المتاركة ، وأوقات المحاربة ، فلذلك لم يقل هؤلاء بحظر قتل الأسير في حين أن التخيير هنا وارد بين المنّ والفداء ، ولم يذكر معهما