القتل. وقد ثبت في «الصحيح» ثبوتا مستفيضا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل من أسرى بدر النضر بن الحارث وذلك قبل نزول هذه الآية ، وعقبة بن أبي معيط وقتل أسرى قريظة الذين نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وقتل هلال بن خطل ومقيس بن حبابة يوم فتح مكة ، وقتل بعد أحد أبا عزّة الجمعي الشاعر وذلك كله لا يعارض هذه الآية لأنها جعلت التخيير لولي الأمر. وأيضا لم يذكر في هذه الآية جواز الاسترقاق ، وهو الأصل في الأسرى ، وهو يدخل في المنّ إذا اعتبر المن شاملا لترك القتل ، ولأن مقابلة المن بالفداء تقتضي أن الاسترقاق مشروع. وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك : أنّ المنّ من العتق.
وقال الحسن وعطاء : التخيير بين المنّ والفداء فقط دون قتل الأسير ، فقتل الأسير يكون محظورا. وظاهر هذه الآية يعضد ما ذهب إليه الحسن وعطاء. وذهب فريق من أهل العلم إلى أن هذه الآية منسوخة وأنه لا يجوز في الأسير المشرك إلا القتل بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك والسدّي وابن جريج ، ورواه العوفي عن ابن عباس وهو المشهور عن أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة : لا بأس أن يفادى أسرى المشركين الذين لم يسلموا بأسرى المسلمين الذين بيد المشركين. وروى الجصّاص أن النبي صلىاللهعليهوسلم فدى أسيرين من المسلمين بأسير من المشركين في ثقيف.
والغاية المستفادة من (حَتَّى) في قوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) للتعليل لا للتقييد ، أي لأجل أن تضع الحرب أوزارها ، أي ليكفّ المشركون عنها فتأمنوا من الحرب عليكم وليست غاية لحكم القتال. والمعنى يستمر هذا الحكم بهذا ليهن العدوّ فيتركوا حربكم ، فلا مفهوم لهذه الغاية ، فالتعليل متصل بقوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) وما بينهما اعتراض. والتقدير : فضرب الرقاب ، أي لا تتركوا القتل لأجل أن تضع الحرب أوزارها ، فيكون واردا مورد التعليم والموعظة ، أي فلا تشتغلوا عند اللقاء لا بقتل الذين كفروا لتضع الحرب أوزارها فإذا غلبتموهم فاشتغلوا بالإبقاء على من تغلبونه بالأسر ليكون المنّ بعد ذلك أو الفداء.
والأوزار : الأثقال ، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله ، وهذا من مبتكرات القرآن. وأخذ منه عبد ربه السلمى ، أو سليم الحنفي قوله :