يقال : صخّ يصخ قاصرا ومتعديا ، ومضارعه يصخ بضم عينه في الحالين. وقد اختلف أهل اللغة في اشتقاقها اختلافا لا جدوى له ، وما ذكرناه هو خلاصة قول الخليل والراغب وهو أحسن وأجرى على قياس اسم الفاعل من الثلاثي ، فالصاخّة صارت في القرآن علما بالغلبة على حادثة يوم القيامة وانتهاء هذا العالم ، وتحصل صيحات منها أصوات تزلزل الأرض واصطدام بعض الكواكب بالأرض مثلا ، ونفخة الصّور التي تبعث عندها الناس. و (إذا) ظرف وهو متعلق ب (جاءَتِ الصَّاخَّةُ) وجوابه قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) الآيات.
والمجيء مستعمل في الحصول مجازا ، شبه حصول يوم الجزاء بشخص جاء من مكان آخر.
و (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) بدل من إذا (جاءَتِ الصَّاخَّةُ) بدلا مطابقا.
والفرار : الهروب للتخلص من مخيف.
وحرف (من) هنا يجوز أن يكون بمعنى التعليل الذي يعدّى به فعل الفرار إلى سبب الفرار حين يقال : فرّ من الأسد ، وفرّ من العدو ، وفرّ من الموت ، ويجوز أن يكون بمعنى المجاوزة مثل (عن).
وكون أقرب الناس للإنسان يفرّ منهم يقتضي هول ذلك اليوم بحيث إذا رأى ما يحل من العذاب بأقرب الناس إليه توهم أن الفرار منه ينجيه من الوقوع في مثله ، إذ قد علم أنه كان مماثلا لهم فيما ارتكبوه من الأعمال فذكرت هنا أصناف من القرابة ، فإن القرابة آصرة تكون لها في النفس معزة وحرص على سلامة صاحبها وكرامته. والألف يحدث في النفس حرصا على الملازمة والمقارنة. وكلا هذين الوجدانين يصد صاحبه عن المفارقة فما ظنك بهول يغشى على هذين الواجدين فلا يترك لهما مجالا في النفس.
ورتبت أصناف القرابة في الآية حسب الصعود من الصنف إلى من هو أقوى منه تدرجا في تهويل ذلك اليوم.
فابتدئ بالأخ لشدة اتصاله بأخيه من زمن الصبا فينشأ بذلك إلف بينهما يستمر طول الحياة ، ثم ارتقي من الأخ إلى الأبوين وهما أشد قربا لابنيهما ، وقدمت الأم في الذكر لأن إلف ابنها بها أقوى منه بأبيه وللرعي على الفاصلة ، وانتقل إلى الزوجة والبنين وهما مجتمع عائلة الإنسان وأشد الناس قربا به وملازمة.