وأطنب بتعداد هؤلاء الأقرباء دون أن يقال : يوم يفر المرء من أقرب قرابته مثلا لإحضار صورة الهول في نفس السامع.
وكل من هؤلاء القرابة إذا قدرته هو الفارّ كان من ذكر معه مفرورا منه إلا قوله : (وَصاحِبَتِهِ) لظهور أن معناه : والمرأة من صاحبها ، ففيه اكتفاء ، وإنما ذكرت بوصف الصاحبة الدال على القرب والملازمة دون وصف الزوج لأن المرأة قد تكون غير حسنة العشرة لزوجها فلا يكون فراره منها كناية عن شدة الهول فذكر بوصف الصاحبة.
والأقرب أن هذا فرار المؤمن من قرابته المشركين خشية أن يؤاخذ بتبعتهم إذ بقوا على الكفر.
وتعليق جار الأقرباء بفعل : (يَفِرُّ الْمَرْءُ) يقتضي أنهم قد وقعوا في عذاب يخشون تعديه إلى من يتصل بهم.
وقد اجتمع في قوله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) إلى آخره أبلغ ما يفيد هول ذلك اليوم بحيث لا يترك هوله للمرء بقية من رشده فإن نفس الفرار للخائف مسبة فيما تعارفوه لدلالته على جبن صاحبه وهم يتعيرون بالجبن وكونه يترك أعز الأعزة عليه مسبة عظمى.
وجملة : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا لزيادة تهويل اليوم ، وتنوين (شَأْنٌ) للتعظيم.
وحيث كان فرار المرء من الأقرباء الخمسة يقتضي فرار كل قريب من أولئك من مثله كان الاستئناف جامعا للجميع تصريحا بذلك المقتضى ، فقال : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي عن الاشتغال بغيره من المذكورات بله الاشتغال عمن هو دون أولئك في القرابة والصحبة.
والشأن : الحال المهم.
وتقديم الخبر في قوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ) على المبتدأ ليتأتى تنكير (شَأْنٌ) الدال على التعظيم لأن العرب لا يبتدئون بالنكرة في جملتها إلا بمسوغ من مسوغات عدّها النحاة بضعة عشر مسوغا ، ومنها تقديم الخبر على المبتدإ.
والإغناء : جعل الغير غنيا ، أي غير محتاج لشيء في غرضه. وأصل الإغناء والغنى : حصول النافع المحتاج إليه ، قال تعالى : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٦٧]