ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [النحل : ٥٨ ، ٥٩].
وإذ قد فشا فيهم كراهية ولادة الأنثى فقد نما في نفوسهم بغضها فتحركت فيها الخواطر الإجرامية فالرجل يكره أن تولد له أنثى لذلك ، وامرأته تكره أن تولد لها أنثى خشية من فراق زوجها إياها وقد يهجر الرجل امرأته إذا ولدت أنثى.
وقد توارثت هذا الجهل أكثر الأمم على تفاوت بينهم فيه ، ومن كلام بعضهم وقد ماتت ابنته : «نعم الصهر القبر».
ومن آثار هذا الشعور حرمان البنات من أموال آبائهن بأنواع من الحيل مثل وقف أموالهم على الذكور دون الإناث وقد قال مالك : إن ذلك من سنة الجاهلية ، ورأى ذلك الحبس باطلا ، وكان كثير من أقرباء الميت يلجئون بناته إلى إسقاط حقهن في ميراث أيهن لإخوتهن في فور الأسف على موت أبيهن فلا يمتنعن من ذلك ويرين الامتناع من ذلك عارا عليهن فإن لم يفعلن قطعهن أقرباؤهن.
وتعرف هذه المسألة في الفقه بهبة بنات القبائل. وبعضهم يعدها من الإكراه.
ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع القبائل ، قيل : أول من وأد البنات من القبائل ربيعة ، وكانت كندة تئد البنات ، وكان بنو تميم يفعلون ذلك ، ووأد قيس بن عاصم المنقري من بني تميم ثمان بنات له قبل إسلامه.
ولم يكن الوأد في قريش البتة. وكان صعصعة بن ناجية جد الفرزدق من بني تميم يفتدي من يعلم أنه يريد وأد ابنته من قومه بناقتين عشراوين وجمل ، فقيل : إنه افتدى ثلاثمائة وستين موءودة ، وقيل : وسبعين وفي «الأغاني» : وقيل : أربعمائة.
وفي «تفسير القرطبي» : فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موءودة ومثل هذا في «تاب الشعراء» لابن قتيبة وبين العددين بون بعيد فلعل في أحدهما تحريفا.
وفي توجيه السؤال إلى الموءودة : (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) في ذلك الحشر إدخال الروع على من وأدها ، وجعل سؤالها عن تعيين ذنب أوجب قتلها للتعريض بالتوبيخ والتخطئة للذي وأدها وليكون جوابها شهادة على من وأدها فيكون استحقاقه العقاب أشد وأظهر.