البقرة الوحشية كناسها بعد الانتشار والجري.
فشبه طلوع الكوكب بخروج الوحشية من كناسها ، وشبه تنقل مرآها للناظر بجري الوحشية عند خروجها من كناسها صباحا ، قال لبيد :
حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت |
|
بكرت تزل عن الثرى أزلامها |
وشبه غروبها بعد سيرها بكنوس الوحشية في كناسها وهو تشبيه بديع فكان قوله : (الْخُنَّسِ) استعارة وكان (الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ترشيحين للاستعارة.
وقد حصل من مجموع الأوصاف الثلاث ما يشبه اللغز يحسب به أن الموصوفات ظباء أو وحوش لأن تلك الصفات حقائقها من أحوال الوحوش ، والإلغاز طريقة مستملحة عند بلغاء العرب وهي عزيزة في كلامهم ، قال بعض شعرائهم وهو من شواهد العربية :
فقلت أعيراني القدوم لعلّني |
|
أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد |
أراد أنه يصنع بها غمدا لسيف صقيل مهند.
وعن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس : حمل هذه الأوصاف على حقائقها المشهورة ، وأن الله أقسم بالظباء وبقر الوحش.
والمعروف في إقسام القرآن أن تكون بالأشياء العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى أو الأشياء المباركة.
ثم عطف القسم ب (اللَّيْلِ) على القسم ب «الكواكب» لمناسبة جريان الكواكب في الليل ، ولأن تعاقب الليل والنهار من أجل مظاهر الحكمة الإلهية في هذا العالم.
وعسعس الليل عسعاسا وعسعسة ، قال مجاهد عن ابن عباس : أقبل بظلامه ، وقال مجاهد أيضا عن ابن عباس معناه : أدبر ظلامه ، وقاله زيد بن أسلم وجزم به الفراء وحكى عليه الإجماع. وقال المبرد والخليل : هو من الأضداد يقال : عسعس ، إذا أقبل ظلامه ، وعسعس ، إذا أدبر ظلامه. قال ابن عطية : قال المبرد : أقسم الله بإقبال الليل وإدباره معااه.
وبذلك يكون إيثار هذا الفعل لإفادته كلا حالين صالحين للقسم به فيهما لأنهما من مظاهر القدرة إذ يعقب الظلام الضياء ثم يعقب الضياء الظلام ، وهذا إيجاز.
وعطف عليه القسم بالصبح حين تنفسه ، أي انشقاق ضوئه لمناسبة ذكر الليل ، ولأن