فيجوز أن يكون على معناه الحقيقي ، أي وما صاحبكم ببخيل أي بما يوحى إليه وما يخبر به عن الأمور الغيبية طلبا للانتفاع بما يخبر به بحيث لا ينبئكم عنه إلا بعوض تعطونه ، وذلك كناية عن نفي أن يكون كاهنا أو عرّافا يتلقّى الأخبار عن الجن إذ كان المشركون يترددون على الكهان ويزعمون أنهم يخبرون بالمغيبات ، قال تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الحاقة : ٤١ ـ ٤٢] فأقام لهم الفرق بين حال الكهان وحال النبي صلىاللهعليهوسلم بالإشارة إلى أن النبي لا يسألهم عوضا عما يخبرهم به وأن الكاهن يأخذ على ما يخبر به ما يسمونه حلوانا ، فيكون هذا المعنى من قبيل قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الفرقان : ٥٧] (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) [الأنعام : ٩٠] ونحو ذلك.
ويجوز أن يكون «ضنين» مجازا مرسلا في الكتمان بعلاقة اللزوم لأن الكتمان بخل بالأمر المعلوم للكاتم ، أي ما هو بكاتم الغيب ، أي ما يوحى إليه ، وذلك أنهم كانوا يقولون : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : ١٥] وقالوا : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣].
ويتعلق (عَلَى الْغَيْبِ) بقوله : (بِضَنِينٍ).
وحرف (على) على هذا الوجه بمعنى الباء مثل قوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) [الأعراف : ١٠٥] أي حقيق بي ، أو لتضمين «ضنين» معنى حريص ، والحرص : شدة البخل وما محمد بكاتم شيئا من الغيب فما أخبركم به فهو عين ما أوحيناه إليه. وقد يكون البخيل على هذه كناية عن كاتم وهو كناية بمرتبة أخرى عن عدم التغيير. والمعنى : وما صاحبكم بكاتم شيئا من الغيب ، أي ما أخبركم به فهو الحق.
وأما معنى «ظنين» بالظاء المشالة فهو فعيل بمعنى مفعول مشتق من الظن بمعنى التهمة ، أي مظنون. ويراد أنه مظنون به سوء ، أي أن يكون كاذبا فيما يخبر به عن الغيب ، وكثر حذف مفعول ظنين بهذا المعنى في الكلام حتى صار الظن يطلق بمعنى التهمة فعدّي إلى مفعول واحد. وأصل ذلك أنهم يقولون : ظنّ به سوءا ، فيتعدى إلى متعلّقه الأول بحرف باء الجر فلما كثر استعماله حذفوا الباء ووصلوا الفعل بالمجرور فصار مفعولا فقالوا ظنه : بمعنى اتهمه ، يقال : سرق لي كذا وظننت فلانا.
وحرف (عَلَى) في هذا الوجه للاستعلاء المجازي الذي هو بمعنى الظرفية نحو (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [طه : ١٠] ، أي ما هو بمتهم في أمر الغيب وهو الوحي أن لا يكون