النهار ، ومشاهدتها في صورة متماثلة مع تعاقب القرون تدل على تجانس ما هي مصورة منه فإذا اختلّ ذلك وتخللته أجسام أو عناصر غريبة عن أصل نظامه تفككت تلك الطباق ولاح فيها تشقق فكان علامة على انحلال النظام المتعلق بها كله.
والظاهر أن هذا الانفطار هو المعبر عنه بالانشقاق أيضا في سورة الانشقاق وهو حدث يكون قبل يوم البعث وأنه من أشراط الساعة لأنه يحصل عند إفساد النظام الذي أقام الله عليه حركات الكواكب وحركة الأرض وذلك يقتضيه قرنه بانتثار الكواكب وتفجر البحار وتبعثر القبور.
وأما الكشط الذي تقدم في سورة التكوير [١١] في قوله : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) فذلك عرض آخر يعرض للسماوات يوم الحشر فهو من قبيل قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].
والانتثار : مطاوع النثر ضد الجمع وضد الضم ، فالنثر هو رمي أشياء على الأرض بتفرق.
وأما التفرق في الهواء فإطلاق النثر عليه مجاز كما في قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣]. فانتثار الكواكب مستعار لتفرق هيئات اجتماعها المعروفة في مواقعها ، أو مستعار لخروجها من دوائر أفلاكها وسماواتها فتبدو مضطربة في الفضاء بعد أن كانت تلوح كأنها قارّة ، فانتثارها تبددها وتفرق مجتمعها ، وذلك من آثار اختلال قوة الجاذبية التي أقيم عليها نظام العالم الشمسي.
وتفجير البحار انطلاق مائها من مستواه وفيضانه على ما حولها من الأرضين كما يتفجر ماء العين حين حفرها لفساد كرة الهواء التي هي ضاغطة على مياه البحار وبذلك التفجير يعمّ الماء على الأرض فيهلك ما عليها ويختل سطحها.
ومعنى : (بُعْثِرَتْ) : انقلب باطنها ظاهرها ، والبعثرة : الانقلاب ، يقال : بعثر المتاع إذا قلب بعضه على بعض. قال في «الكشاف» : «بعثر مركب من البعث مع راء ضمت إليه». وقال البيضاوي قيل : إن بعثر مركب من بعث وراء الإثارة كبسمل ا ه ، ونقل مثله عن السهيلي. وأن بعثر منحوت من بعث وإثارة مثل : بسمل ، وحوقل ، فيكون في بعثر معنى فعلين بعث وأثار ، أي أخرج وقلب ، فكأنه قلب لأجل إخراج ما في المقلوب.
والذي اقتصر عليه أئمة اللغة أن معنى بعثر : قلب بعض شيء على بعضه.