وبعثرة القبور : حالة من حالات الانقلاب الأرضي والخسف خصت بالذكر من بين حالات الأرض لما فيها من الهول باستحضار حالة الأرض وقد ألقت على ظاهرها ما كان في باطن المقابر من جثث كاملة ورفات ، فإن كان البعث عن عدم كما مال إليه بعض العلماء أو عن تفريق كما رآه بعض آخر ، فإن بعث الأجساد الكاملة يجوز أن يختص بالبعث عن تفريق ويختص بعث الأجساد البالية والرمم بالكون عن عدم.
وجملة : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) جواب لما في (إِذَا) من معنى الشرط ، ويتنازع التعلق به جميع ما ذكر من كلمات (إِذَا) الأربع. وهذا العلم كناية عن الحساب على ما قدمت النفوس وأخرت.
وعلم النفوس بما قدمت وأخرت يحصل بعد حصول ما تضمنته جمل الشرط ب (إِذَا) إذ لا يلزم في ربط المشروط بشرطه أن يكون حصوله مقارنا لحصول شرطه لأنّ الشروط اللغوية أسباب وأمارات وليست عللا ، وقد تقدم بيان ذلك في سورة التكوير.
صيغة الماضي في قوله : (انْفَطَرَتْ) وما عطف عليه مستعملة في المستقبل تشبيها لتحقيق وقوع المستقبل بحصول الشيء في الماضي.
وإثبات العلم للناس بما قدموا وأخروا عند حصول تلك الشروط لعدم الاعتداد بعلمهم بذلك الذي كان في الحياة الدنيا ، فنزل منزلة عدم العلم كما تقدم بيانه في قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) في سورة التكوير [١٤].
و (نَفْسٌ) مراد به العموم على نحو ما تقدم في : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) في سورة التكوير [١٤].
و (ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) : هو العمل الذي قدمته النفس ، أي عملته مقدما وهو ما عملته في أول العمر ، والعمل الذي أخرته ، أي عملته مؤخرا أي في آخر مدة الحياة ، أو المراد بالتقديم المبادرة بالعمل ، والمراد بالتأخير مقابله وهو ترك العمل.
والمقصود من هذين تعميم التوقيف على جميع ما عملته ومثله قوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) في سورة لا أقسم بيوم القيامة [١٣].
والعلم يتحقق بإدراك ما لم يكن معلوما من قبل وبتذكر ما نسي لطول المدة عليه كما تقدم في نظيره في سورة التكوير. وهذا وعيد بالحساب على جميع أعمال المشركين ، وهم المقصود بالسورة كما يشير إليه قوله بعد هذا : (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) [الانفطار : ٩] ، ووعد