يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) [مريم : ٦٦ ، ٦٧].
وانتصب (أَزْواجاً) على الحال من ضمير الخطاب في (خَلَقْناكُمْ) لأن المقصود الاستدلال بخلق الناس وبكون الناس أزواجا ، فلما كان المناسب لفعل خلقنا أن يتعدى إلى الذوات جيء بمفعوله ضمير ذوات الناس ، ولما كان المناسب لكونهم أزواجا أن يساق مساق إيجاد الأحوال جيء به حالا من ضمير الخطاب في (خَلَقْناكُمْ) ، ولو صرح له بفعل لقيل : وخلقناكم وجعلناكم أزواجا ، على نحو ما تقدم في قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) النبأ : ٦] وما يأتي من قوله : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) [النبأ : ٩].
والأزواج : جمع زوج وهو اسم للعدد الذي يكرر الواحد تكريرة واحدة وقد وصف به كما يوصف بأسماء العدد في نحو قول لبيد :
حتى إذا سلخا جمادى ستّة
ثم غلب الزواج على كل من الذكر وأنثاه من الإنسان والحيوان ، فقوله : (أَزْواجاً) أفاد أن يكون الذكر زوجا للأنثى والعكس ، فالذكر زوج لأنثاه والأنثى زوج لذكرها ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) في سورة البقرة [٣٥].
وفي قوله : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) إيماء إلى ما في ذلك الخلق من حكمة إيجاد قوة التناسل من اقتران الذكر بالأنثى وهو مناط الإيماء إلى الاستدلال على إمكان إعادة الأجساد فإن القادر على إيجاد هذا التكوين العجيب ابتداء بقوة التناسل قادر على إيجاد مثله بمثل تلك الدقة أو أدق.
وفيه استدلال على عظيم قدرة الله وحكمته ، وامتنان على الناس بأنه خلقهم ، وأنه خلقهم بحالة تجعل لكل واحد من الصنفين ما يصلح لأن يكون له زوجا ليحصل التعاون والتشارك في الأنس والتنعم ، قال تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) [الأعراف : ١٨٩] ولذلك صيغ هذا التقرير بتعليق فعل (خلقنا) بضمير الناس وجعل (أَزْواجاً) حالا منه ليحصل بذلك الاعتبار بكلا الأمرين دون أن يقال : وخلقنا لكم أزواجا.
وفي ذلك حمل لهم على الشكر بالإقبال على النظر فيما بلّغ إليهم عن الله الذي أسعفهم بهذه النعم على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعريض بأن إعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية ومكابرتهم فيما بلغهم من ذلك كفران لنعمة واهب النعم.