فقيل المعنى : لتركبن حالا بعد حال ، رواه البخاري عن ابن عباس عن النبيصلىاللهعليهوسلم والأظهر أنه تهديد بأهوال القيامة فتنوين «طبق» في الموضعين للتعظيم والتهويل و (عَنْ) بمعنى (بعد) والبعدية اعتبارية ، وهي بعدية ارتقاء ، أي لتلاقنّ هولا أعظم من هول ، كقوله تعالى : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨]. وإطلاق الطبق على الحالة على هذا التأويل لأن الحالة مطابقة لعمل صاحبها.
وروى أبو نعيم عن جابر بن عبد الله تفسير الأحوال بأنها أحوال موت وإحياء ، وحشر ، وسعادة أو شقاوة ، ونعيم أو جحيم ، كما كتب الله لكل أحد عند تكوينه رواه جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم وقال ابن كثير هو حديث منكر وفي إسناده ضعفاء ، أو حالا بعد حال من شدائد القيامة وروي هذا عن ابن عباس وعكرمة والحسن مع اختلاف في تعيين الحال.
وقيل : (لَتَرْكَبُنَ) منزلة بعد منزلة على أن طبقا اسم للمنزلة ، وروي عن ابن زيد وسعيد بن جبير أي لتصيرنّ من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة ، أو إن قوما كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، فالتنوين فيهما للتنويع.
وقيل : من كان على صلاح دعاه إلى صلاح آخر ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه ، لأن كل شيء يجرّ إلى شكله ، أي فتكون الجملة اعتراضا بالموعظة وتكون (عَنْ) على هذا على حقيقتها للمجاوزة ، والتنوين للتعظيم.
ويحتمل أن يكون الركوب مجازا في السير بعلاقة الإطلاق ، أي لتحضرن للحساب جماعات بعد جماعات على معنى قوله تعالى : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) [القيامة : ٣٠] وهذا تهديد لمنكريه ، وأن يكون الركوب مستعملا في المتابعة ، أي لتتّبعنّ. وحذف مفعول : «تركبن» بتقدير : ليتبعن بعضكم بعضا ، أي في تصميمكم على إنكار البعث. ودليل المحذوف هو قوله : (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) ويكون (طَبَقاً) مفعولا به وانتصاب (طَبَقاً) إما على الحال من ضمير (تركبن) وإما على المفعولية به على حسب ما يليق بمعاني ألفاظ الآية.
وموقع (عَنْ طَبَقٍ) موقع النعت ل (طَبَقاً).
ومعنى (عَنْ) إما المجاوزة ، وإما مرادفة معنى (بعد) وهو مجاز ناشئ عن معنى المجاوزة ، ولذلك لما ضمّن النابغة معنى قولهم : «ورثوا المجد كابرا عن كابر» غيّر حرف