وتركيب «ما لهم لا يؤمنون» يشتمل على (ما) الاستفهامية مخبر عنها بالجار والمجرور. والجملة بعد (لَهُمْ) حال من (ما) الاستفهامية.
وهذا الاستفهام مستعمل في التعجيب من عدم إيمانهم وفي إنكار انتفاء إيمانهم لأن شأن الشيء العجيب المنكر أن يسأل عنه فاستعمال الاستفهام في معنى التعجيب والإنكار مجاز بعلاقة اللزوم ، واللام للاختصاص.
وجملة : (لا يُؤْمِنُونَ) في موضع الحال فإنها لو وقع في مكانها اسم لكان منصوبا كما في قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨] والحال هي مناط التعجيب ، وقد تقدم تفصيل القول في تركيبه وفي الصّيغ التي ورد عليها أمثال هذا التركيب عند قوله تعالى : (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في سورة البقرة [٢٤٦].
ومتعلق (يُؤْمِنُونَ) محذوف يدل عليه السّياق ، أي بالبعث والجزاء.
ويجوز تنزيل فعل (يُؤْمِنُونَ) منزلة اللازم ، أي لا يتصفون بالإيمان ، أي ما سبب أن لا يكونوا مؤمنين ، لظهور الدلائل على انفراد الله تعالى بالإلهية فكيف يستمرون على الإشراك به.
والمعنى : التعجيب والإنكار من عدم إيمانهم مع ظهور دلائل صدق ما دعوا إليه وأنذروا به.
و (لا يَسْجُدُونَ) عطف على (لا يُؤْمِنُونَ وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ) ظرف قدم على عامله للاهتمام به وتنويه شأن القرآن.
وقراءة القرآن عليهم قراءته تبليغ ودعوة. وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يعرض عليهم القرآن جماعات وأفرادا وقد قال له عبد الله بن أبيّ بن سلول : «لا تغشنا به في مجالسنا» وقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم القرآن على الوليد بن المغيرة كما ذكرناه في سورة عبس.
والسجود مستعمل بمعنى الخضوع والخشوع كقوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦] وقوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) [النحل : ٤٨] ، أي إذا قرئ عليهم القرآن لا يخضعون لله ولمعاني القرآن وحجته ، ولا يؤمنون بحقيته ودليل هذا المعنى مقابلته بقوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) [الانشقاق : ٢٢].