وليس في هذه الآية ما يقتضي أنّ عند هذه الآية سجدة من سجود القرآن والأصحّ من قول مالك وأصحابه أنها ليست من سجود القرآن خلافا لابن وهب من أصحاب مالك فإنه جعل سجودات القرآن أربع عشرة. وقال الشافعي : هي سنة. وقال أبو حنيفة : واجبة.
والأرجح أن عزائم السجود المسنونة إحدى عشرة سجدة وهي التي رويت بالأسانيد الصحيحة عن الصّحابة. وإن ثلاث آيات غير الإحدى عشرة آية رويت فيها أخبار أنها سجد النبي صلىاللهعليهوسلم عند قراءتها منها هذه وعارضتها روايات أخرى فهي : إمّا قد ترك سجودها ، وإمّا لم يؤكد ومنها قوله تعالى هنا : (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) وقال ابن العربي السجود في سورة الانشقاق قول المدنيين من أصحاب مالك ا ه.
قلت : وهو قول ابن وهب ولا خصوصية لهذه الآية بل ذلك في السجدات الثلاث الزائدة على الإحدى عشرة وقد قال مالك في «الموطأ» بعد أن روى حديث أبي هريرة : «الأمر عندنا أن عزائم السجود إحدى عشرة بزيادة سجدة ليس في المفصل منها شيء» وقال أبو حنيفة والشافعي : سجدات التلاوة أربع عشرة بزيادة سجدة سورة النجم وسجدة سورة الانشقاق وسجدة سورة العلق. وقال أحمد : هن خمس عشرة سجدة بزيادة السجدة في آخر الآية من سورة الحجّ ففيها سجدتان عنده.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢))
يجوز إنه إضراب انتقالي من التعجيب من عدم إيمانهم وإنكاره عليهم إلى الإخبار عنهم بأنهم مستمرون على الكفر والطعن في القرآن ، فالكلام ارتقاء في التعجيب والإنكار.
فالإخبار عنهم بأنهم يكذبون مستعمل في التعجيب والإنكار فلذلك عبر عنه بالفعل المضارع الذي يستروح منه استحضار الحالة مثل قوله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤].
ويجوز أن يكون (بَلِ) إضرابا إبطاليا ، أي لا يوجد ما لأجله لا يؤمنون ولا يصدقون بالقرآن بل الواقع بضد ذلك فإن بواعث الإيمان من الدلائل متوفرة ودواعي الاعتراف بصدق القرآن والخضوع لدعوته متظاهرة ولكنهم يكذبون ، أي يستمرون على التكذيب عنادا وكبرياء ويومئ إلى ذلك قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) [الانشقاق : ٢٣].
وهذان المعنيان نظير الوجهين في قوله تعالى في سورة الانفطار [٩ ـ ١٠] (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ)