ممّ خلق ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول.
فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة.
والنظر : نظر العقل ، وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤].
و (من) من قوله : (مِمَّ خُلِقَ) ابتدائية متعلقة ب (خُلِقَ) والمعنى : فليتفكر الإنسان في جواب : ما شيء خلق منه؟ فقدّم المتعلّق على عامله تبعا لتقديم ما اتصلت به من (من) اسم الاستفهام.
و (ما) استفهامية علّقت فعل النّظر العقلي عن العمل.
والاستفهام مستعمل في الإيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [عبس : ١٨]. فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب.
وحذف ألف (ما) الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة.
ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ، ٢].
و (الْإِنْسانُ) مراد به خصوص منكر البعث كما علمت آنفا من مقتضى التفريع في قوله : (فَلْيَنْظُرِ) إلخ.
ومعنى (دافِقٍ) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطفة الرجل.
وصيغة (دافِقٍ) اسم فاعل من دفق القاصر ، وهو قول فريق من اللغويين. وقال الجمهور : لا يستعمل دفق قاصرا. وجعلوا دافقا بمعنى اسم المفعول وجعلوا ذلك من النادر.
وعن الفراء : أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا ، إذا كان في طريقة النعت.
وسيبويه جعله من صيغ النسب كقولهم : لابن وتامر ، ففسر دافق : بذي دفق.
والأحسن أن يكون اسم فاعل ويكون دفق مطاوع دفقه كما جعل العجاج جبر بمعنى انجبر في قوله :