واعلم أن مما يدل على إرادة التسبيح بالقول وجود قرينة في الكلام تقتضيه مثل التوقيت بالوقت في قوله تعالى : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب : ٤٢] فإن الذي يكلف بتوقيته هو الأقوال والأفعال دون العقائد ، ومثل تعدية الفعل بالباء مثل قوله تعالى : (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [السجدة : ١٥] فإن الحمد قول فلا يصاحب إلا قولا مثله.
وتعريف : (اسْمَ) بطريق الإضافة إلى (رَبِّكَ) دون تعريفه بالإضافة إلى علم الجلالة نحو : سبح اسم الله ، لما يشعر به وصف رب من أنه الخالق المدبر. وأما إضافة (رب) إلى ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم فلتشريفه بهذه الإضافة وأن يكون له حظ زائد على التكليف بالتسبيح.
ثم أجري على لفظ (رَبِّكَ) صفة (الْأَعْلَى) وما بعدها من الصلات الدالة على تصرفات قدرته ، فهو مستحق للتنزيه لصفات ذاته ولصفات إنعامه على الناس بخلقهم في أحسن تقويم ، وهدايتهم ، ورزقهم ، ورزق أنعامهم ، للإيماء إلى موجب الأمر بتسبيح اسمه بأنه حقيق بالتنزيه استحقاقا لذاته ولوصفه بصفة أنه خالق المخلوقات خلقا يدل على العلم والحكمة وإتقان الصنع ، وبأنه أنعم بالهدى والرزق الذين بهما استقامة حال البشر في النفس والجسد وأوثرت الصفات الثلاث الأول لما لها من المناسبة لغرض السورة كما سنبينه.
فلفظ (الْأَعْلَى) اسم يفيد الزيادة في صفة العلو ، أي الارتفاع. والارتفاع معدود في عرف الناس من الكمال فلا ينسب العلوّ بدون تقييد إلا إلى شيء غير مذموم في العرف ، ولذلك إذا لم يذكر مع وصف الأعلى مفضل عليه أفاد التفضيل المطلق كما في وصفه تعالى هنا. ولهذا حكى عن فرعون أنه قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤].
والعلوّ المشتقّ منه وصفه تعالى : (الْأَعْلَى) علوّ مجازي ، وهو الكمال التام الدائم.
ولم يعدّ وصفه تعالى : (الْأَعْلَى) في عداد الأسماء الحسنى استغناء عن اسمه (الْعَلِيُّ) لأن أسماء الله توقيفية فلا يعد من صفات الله تعالى بمنزلة الاسم إلا ما كثر إطلاقه إطلاق الأسماء ، وهو أوغل من الصفات ، قال الغزالي : والعلوّ في الرتبة العقلية مثل العلوّ في التدريجات الحسية ، ومثال الدرجة العقلية ، كالتفاوت بين السبب والمسبب والعلة والمعلول والفاعل والقابل والكامل والناقص ا ه.
وإيثار هذا الوصف في هذه السورة لأنها تضمنت التنويه بالقرآن والتثبيت على تلقيه