ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم.
فالتعريف في (الْفَجْرِ) تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)
ويجوز أن يراد فجر معين : فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة. وقيل : فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ، فيكون تعريف (الْفَجْرِ) تعريف العهد.
وقوله : (وَلَيالٍ عَشْرٍ) : هي ليال معلومة للسامعين موصوفة بأنها عشر واستغني عن تعريفها بتوصيفها بعشر وإذ قد وصفت بها العدد تعين أنها عشر متتابعة وعدل عن تعريفها مع أنها معروفة ليتوصل بترك التعريف إلى تنوينها المفيد للتعظيم وليس في ليالي السّنة عشر ليال متتابعة عظيمة مثل عشر ذي الحجّة التي هي وقت مناسك الحج ، ففيها يكون الإحرام ودخول مكة وأعمال الطواف ، وفي ثامنتها ليلة التروية ، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر. فتعين أنها الليالي المرادة بليال عشر. وهو قول ابن عباس وابن الزبير ، وروى أحمد والنسائي عن أبي الزبير (المكي) عن جابر بن عبد الله عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : «إن العشر عشر الأضحى» قال ابن العربي : ولم يصح وقال ابن عساكر : رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة ا ه.
ومناسبة عطف (لَيالٍ عَشْرٍ) على (الْفَجْرِ) أن الفجر وقت انتهاء الليل ، فبينه وبين الليل جامع المضادة ، والليل مظهر من مظاهر القدرة الإلهية فلما أريد عطفه على الفجر بقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) خصت قبل ذكره بالذكر ليال مباركة إذ هي من أفراد الليل.
وكانت الليالي العشر معينة من الله تعالى في شرع إبراهيم عليهالسلام ثم غيرت مواقيتها بما أدخله أهل الجاهلية على السّنة القمرية من النسيء فاضطربت السنين المقدسة التي أمر الله بها إبراهيم عليهالسلام. ولا يعرف متى بدأ ذلك الاضطراب ، ولا مقادير ما أدخل عليها من النسيء ، ولا ما يضبط أيام النسيء في كل عام لاختلاف اصطلاحهم في ذلك وعدم ضبطه فبذلك يتعذر تعيين الليالي العشر المأمور بها من جانب الله تعالى ، ولكننا نوقن بوجودها في خلال السنة إلى أو أوحى الله إلى نبيئه محمد صلىاللهعليهوسلم في سنة عشر من الهجرة عام حجة الوداع ، بأن أشهر الحج في تلك السنة وافقت ما كانت عليه السنة في عهد إبراهيمعليهالسلامفقال النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبته في حجة الوداع : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض».