وفرعون. ويجوز أن يكون نعتا لفرعون لأن المراد هو وقومه.
والطغيان شدّة العصيان والظلم ومعنى طغيانهم في البلاد أن كل أمة من هؤلاء طغوا في بلدهم ؛ ولما كان بلدهم من جملة البلاد أي أرضي الأقوام كان طغيانهم في بلدهم قد أوقع الطغيان في البلاد لأن فساد البعض آئل إلى فساد الجميع بسنّ سنن السوء ، ولذلك تسبب عليه ما فرع عنه من قوله : (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) لأن الطغيان يجرّئ صاحبه على دحض حقوق الناس فهو من جهة يكون قدوة سوء لأمثاله وملئه ، فكل واحد منهم يطغى على من هو دونه ، وذلك فساد عظيم ، لأن به اختلال الشرائع الإلهيّة والقوانين الوضعية الصالحة وهو من جهة أخرى يثير الحفائظ والضغائن في المطغيّ عليه من الرعية فيضمرون السوء للطاغين وتنطوي نفوسهم على كراهية ولاة الأمور وتربص الدوائر بها فيكونون لها أعداء غير مخلصي الضمائر ويكون رجال الدولة متوجّسين منهم خيفة فيظنون بهم السوء في كل حال ويحذرونهم فتتوزع قوة الأمة على أفرادها عوض أن تتّحد على أعدائها فتصبح للأمة أعداء في الخارج وأعداء في الداخل وذلك يفضي إلى فساد عظيم ، فلا جرم كان الطغيان سببا لكثرة الفساد.
ويجوز أن يكون التعريف في (الْبِلادِ) تعريف العهد ، أي في بلادهم والجمع على اعتبار التوزيع ، أي طغت كل أمة في بلادها.
و (الْفَسادَ) : سوء حال الشيء ولحاق الضر به قال تعالى : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) [البقرة : ٢٠٥]. وضد الفساد الصلاح قال تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) [الأعراف : ٥٦] وكان ما أكثروه من الفساد سببا في غضب الله عليهم ، والله لا يحب الفساد فصب عليهم العذاب.
والصب حقيقته : إفراغ ما في الظرف ، وهو هنا مستعار لحلول العذاب دفعة وإحاطته بهم كما يصب الماء على المغتسل أو يصب المطر على الأرض ، فوجه الشبه مركب من السرعة والكثرة ونظيره استعارة الإفراغ في قوله تعالى : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) [البقرة: ٢٥٠] ونظير الصب قولهم : شن عليهم الغارة.
وكان العذاب الذي أصاب هؤلاء عذابا مفاجئا قاضيا.
فأما عاد فرأوا عارض الريح فحسبوه عارض مطر فما لبثوا حتى أطارتهم الريح كل مطير.