(بَلْ) إضراب انتقالي. والمناسبة بين الغرضين المنتقل منه والمنتقل إليه مناسبة المقابلة لمضمون (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) من جهة ما توهموه أن نعمة مالهم وسعة عيشهم تكريم من الله لهم ، فنبههم الله على أنهم إن أكرمهم الله فإنهم لم يكرموا عبيده شحّا بالنعمة إذ حرموا أهل الحاجة من فضول أموالهم وإذ يستزيدون من المال ما لا يحتاجون إليه وذلك دحض لتفخرهم بالكرم والبذل.
فجملة : (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) استئناف كما يقتضيه الإضراب ، فهو إمّا استئناف ابتداء كلام ، وإما اعتراض بين (كَلَّا) وأختها كما سيأتي وإكرام اليتيم : سد خلته ، وحسن معاملته ، لأنه مظنة الحاجة لفقد عائله ، ولاستيلائهم على الأموال التي يتركها الآباء لأبنائهم الصغار. وقد كانت الأموال في الجاهلية يتداولها رؤساء العائلات.
والبرّ ، لأنه مظنة انكسار الخاطر لشعوره بفقد من يدلّ هو عليه.
و (الْيَتِيمَ) : الصبي الذي مات أبوه وتقدم في سورة النساء ، وتعريفه للجنس ، أي لا تكرمون اليتامى. وكذلك تعريف (الْمِسْكِينِ)
ونفي الحض على طعام المسكين نفي لإطعامه بطريق الأولى ، وهي دلالة فحوى الخطاب ، أي لقلّة الاكتراث بالمساكين لا ينفعونهم ولو نفع وساطة ، بله أن ينفعوهم بالبذل من أموالهم.
و (طَعامِ) يجوز أن يكون اسما بمعنى المطعوم ، فالتقدير : ولا تحضون على إعطاء طعام المسكين فإضافته إلى المسكين على معنى لام الاستحقاق ويجوز أن يكون اسم مصدر أطعم. والمعنى : ولا تحضون على إطعام الأغنياء المساكين فإضافته إلى المسكين من إضافة المصدر إلى مفعوله.
و (الْمِسْكِينِ) : الفقير وتقدم في سورة براءة.
وقد حصل في الآية احتباك لأنهم لما نفي إكرامهم اليتيم وقوبل بنفي أن يحضّوا على طعام المسكين ، علم أنهم لا يحضون على إكرام أيتامهم ، أي لا يحضون أولياء الأيتام على ذلك ، وعلم أنهم لا يطعمون المساكين من أموالهم.
ويجوز أن يكون الحض على الطعام كناية عن الإطعام لأن من يحض على فعل شيء يكون راغبا في التلبس به فإذا تمكن أن يفعله فعله ، ومنه قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ٣] أي عملوا بالحق وصبروا وتواصوا بهما.