ويجوز أن تكون الآية استئنافا ابتدائيا جرى على مناسبة ذكر عذاب الإنسان المشرك فتكون خطابا من الله تعالى لنفوس المؤمنين المطمئنة.
والأمر في (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) مراد منه تقييده بالحالين بعده وهما (راضِيَةً مَرْضِيَّةً) وهو من استعمال الأمر في الوعد والرجوع مجاز أيضا ، والإضمار في قوله : (فِي عِبادِي) وقوله : (جَنَّتِي) التفات من الغيبة إلى التكلم.
وقال بعض أهل التأويل : نزلت في معيّن. فعن الضحاك : أنها نزلت في عثمان بن عفان لما تصدق ببئر رومة. وعن بريدة : أنها نزلت في حمزة حين قتل. وقيل : نزلت في خبيب بن عديّ لما صلبه أهل مكة. وهذه الأقوال تقتضي أن هذه الآية مدنية ، والاتفاق على أن السورة مكية إلا ما رواه الدّاني عن بعض العلماء أنها مدنية ، وهي على هذا منفصلة عما قبلها كتبت هنا بتوقيف خاص أو نزلت عقب ما قبلها للمناسبة.
وعن ابن عباس وزيد بن حارثة وأبيّ بن كعب وابن مسعود : أن هذا يقال عند البعث لترجع الأرواح في الأجساد ، وعلى هذا فهي متصلة بقوله : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) [الفجر: ٢١] إلخ كالوجه الذي قبل هذا ، والرجوع على هذا حقيقة والرب مراد به صاحب النفس وهو الجسد.
وعن زيد بن حارثة وأبي صالح : يقال هذا للنفس عند الموت. وقد روى الطبري عن سعيد بن جبير قال : قرأ رجل عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) فقال أبو بكر : ما أحسن هذا؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أما إنّ الملك سيقولها لك عند الموت». وعن زيد بن حارثة أن هذا يقال لنفس المؤمن عند الموت تبشر بالجنة.
والنفس : تطلق على الذات كلها كما في قوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦] وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) [الأنعام : ١٥١] وتطلق على الروح التي بها حياة الجسد كما في قوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣].
وعلى الإطلاقين توزع المعاني المتقدمة كما لا يخفى.
و (الْمُطْمَئِنَّةُ) : اسم فاعل من اطمأن إذا كان هادئا غير مضطرب ولا منزعج ، فيجوز أن يكون من سكون النفس بالتصديق لما جاء به القرآن دون تردد ولا اضطراب بال فيكون