و (ما وَلَدَ) موصول وصلة والضمير المستتر في (وَلَدَ) عائد إلى (والِدٍ) والمقصود : وما ولده إبراهيم من الأبناء والذرية. وذلك مخصوص بالذين اقتفوا هديه فيشمل محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وفي هذا تعريض بالتنبيه للمشركين من ذرية إبراهيم بأنهم حادوا عن طريقة أبيهم من التوحيد والصلاح والدعوة إلى الحق وعمارة المسجد الحرام قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [آل عمران : ٦٨].
وجيء باسم الموصول (ما) في قوله : (وَما وَلَدَ) دون (من) مع أن (من) أكثر استعمالا في إرادة العاقل وهو مراد هنا ، فعدل عن (من) لأن (ما) أشدّ إبهاما ، فأريد تفخيم أصحاب هذه الصلة فجيء لهم بالموصول الشديد الإبهام لإرادة التفخيم ، ونظيره قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦] يعني مولودا عجيب الشأن. ويوضّح هذا أن (ما) تستعمل نكرة تامة باتفاق ، و (من) لا تستعمل نكرة تامة إلا عند الفارسي.
ولان قوة الإبهام في (ما) أنسب بإرادة الجماعة دون واحد معين ، ألا ترى إلى قول الحكم الأصم الفزاري :
اللّؤم أكرم من وبر ووالده |
|
واللؤم أكرم من وبر وما ولدا |
يريد ومن أولاده لا ولدا معيّنا.
وجملة : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) جواب القسم وهو الغرض من السورة.
والإنسان يجوز أن يراد به الجنس وهو الأظهر وقول جمهور المفسرين ، فالتعريف فيه تعريف الجنس ، ويكون المراد به خصوص أهل الشرك لأن قوله : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد : ٥] إلى آخر الآيات لا يليق إلا بأحوال غير المؤمنين ، فالعموم عموم عرفي ، أي الإنسان في عرف الناس يومئذ ، ولم يكن المسلمون إلا نفرا قليلا ولذلك كثر في القرآن إطلاق الإنسان مرادا به الكافرون من الناس.
ويجوز أن يراد به إنسان معيّن ، فالتعريف تعريف العهد ، فعن الكلبي أنه أبو الأشدّ ويقال : أبو الأشدّين واسمه أسيد بن كلدة الجمحي كان معروفا بالقوّة والشدة يجعل الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول : من أزالني فله كذا. فيجذبه عشرة رجال حتى يمزّق الأديم ولا تزول قدماه ، وكان شديد الكفر والعداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزل فيه : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد : ٥] وقيل : هو الوليد بن المغيرة ، وقيل : هو أبو جهل. وعن مقاتل :