والغاشي في الحقيقة هو تكوير الأرض ودورانها تجاه مظهر الشمس وهي الدورة اليومية ، وقيل : ضمير المؤنث في (يَغْشاها) عائد إلى الأرض على نحو ما قيل في (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها)
و (إِذا) في قوله : (إِذا تَلاها) وقوله : (إِذا جَلَّاها) وقوله : (إِذا يَغْشاها) في محل نصب على الظرفية متعلقة بكون هو حال من القمر ومن النهار ومن الليل فهو ظرف مستقر ، أي مقسما بكل واحد من هذه الثلاثة في الحالة الدالة على أعظم أحواله وأشدها دلالة على عظيم صنع الله تعالى.
وبناء السماء تشبيه لرفعها فوق الأرض بالبناء. والسماء آفاق الكواكب قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) [المؤمنون : ١٧] وتقييد القسم بالليل بوقت تغشيته تذكيرا بالعبرة بحدوث حالة الظلمة بعد حالة النور.
وطحو الأرض : بسطها وتوطئتها للسير والجلوس والاضطجاع ، يقال : طحا يطحو ويطحي طحوا وطحيا وهو مرادف «دحا» في سورة النازعات [٣٠].
و «النفس» : ذات الإنسان كما تقدم عند قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) [الفجر : ٢٧] وتنكير «نفس» للنوعية أي جنس النفس فيعم كل نفس عموما بالقرينة على نحو قوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) [الانفطار :٥].
وتسوية النفس : خلقها سواء ، أي غير متفاوتة الخلق ، وتقدم في سورة الانفطار [٧] عند قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ)
و (ما) في المواضع الثلاثة من قوله : (وَما بَناها) ، أو (ما طَحاها) ، (وَما سَوَّاها) ، إمّا مصدرية يؤوّل الفعل بعدها بمصدر فالقسم بأمور من آثار قدرة الله تعالى وهي صفات الفعل الإلهية وهي رفعة السماء وطحوه الأرض وتسويته الإنسان.
وعطف (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) على (سَوَّاها) ، فهو مقسم به ، وفعل «ألهمها» في تأويل مصدر لأنه معطوف على صلة (ما) المصدرية ، وعطف بالفاء لأن الإلهام ناشئ عن التسوية ، فضمير الرفع في «ألهمها» عائد إلى التسوية وهي المصدر المأخوذ من (سَوَّاها) ويجوز أن تكون (ما) موصولة صادقة على فعل الله تعالى ، وجملة (بَناها) صلة الموصول ، أي والبناء الذي بنى السماء ، والطحو الذي طحا الأرض والتسوية التي سوت النفس.